العقل المسلم والبحث عن الحقيقة / بقلم مصطفى علي حسون

العقل المسلم والبحث عن الحقيقة
بقلم: مصطفى علي حسون

هل كان من الممكن أن يكون:
آية الله ابن عثيمين قائد الثورة الاسلامية في إيران … و شيخ الاسلام الخميني إمام المسجد الحرام؟؟

تخيل معي، لو ولد الخميني في جدة و درس على يد علماء السعودبة و على المدرسة الحنبلية و على منهج محمد بن عبد الوهاب، فهل سيكون هو نفسه الخميني الذي نعرفه؟ أم سيكون هو شيخ الاسلام لأهل السنة داعيا إلى التوحيد، و سيكون هو البطل منقذ أهل السنة من الضلال والبدع؟؟
تخيل لو ولد ابن عثيمين في النجف الأشرف و تتلمذ في الحوزة العلمية و أكمل دراسته العليا في قم المقدسة، فهل سيكون هو نفسه بن ابن عثيمين الذي نعرفه؟؟ أم سيكون هو أية الله ابن عثيمين ولعله يكون مرجع من مراجع الشيعة الامامية، ولعله يرشح لخلافة الخامنئي؟؟؟
كذلك تخيل أن البابا الحالي بينيديكتوس الستاشر، ولد في مكة و تربى بها ، هل سيكون هو بابا المسيحيين اليوم؟؟ أم سيكون شيخ و إمام المسجد الحرام أو المسجد النبوي الشريف؟
و أنت كذلك إسأل نفسك، و كن صادقا مع نفسك، تخيل أنك ولدت في مجتمع يحمل عقيدة غير التي تحملها، بل عقيدة تعاديها أنت اليوم، فهل سيكون موقفك هو نفس موقفك الآن؟؟
بعبارة أخرى، لو ولدت في عائلة مسيحية و أنت مسيحي الآن مثلا، و تنتقد المسلمين و تنتصر لدينك، فهل لو ولدت و تربيت في ظروف أخرى هل ستكون أراؤك نفسها اليوم ؟؟؟
إذا كان الأمر غير كذلك، فيصدق علينا قول الله سبحانه و تعالى:
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ ﴾ [المائدة:104].
فيصبح التقليد الأعمى للموروثات عن الآباء و الأجداد و المحيط الذي تربى فيه الانسان هو الحكم، و ليس العقل:
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ ﴾ [البقرة:170]،
ويقول سبحانه كذلك: ﴿ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ * إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ * وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ ﴾ [الصافات:68-71]
لكن يستدل البعض بحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم: « كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصراه أو يمجسانه »
الجواب: هذا كلام صحيح. لكنه ينطبق على ما قبل سن الرشد أي التكليف. فقد جعل الله للبشر مرحلة يمرون بها تدعى المراهقة، حيث تعتبر الفاصل بين ما ورثه الانسان و بين اختياره و ارادته، فتطرح على الانسان فيها أسئلة كثيرة: من خلقني؟ كيف خلقني؟ أين الله ؟ ما هو الهدف من الحياة؟ …
و هذه هي المرحلة الفاصلة حيث يبدأ الانسان بالاختيار الارادي للمعتقدات و بذلك يصل للنضج العقلي حيث يبدأ التكليف.
و إلا فما فائدة الحساب و العقاب و الجنة و النار إذا كان ديننا و معتقداتنا ليست من اختيارنا بل حسب ظروف النشأة، وما كان الله ليظلم أحدا،فهناك شبه اجماع بين علماء الدين أنه لا تقليد في العقائد، و إنما التقليد ممكن أن يكون في غير ذلك كالأمور الفقهية.
لذلك يجب أن تتأكد إن كنت مقلّدا أعمى للغير أم أنك فاهم فكريا وعقليا لما تدّعي أنّك تعتقده؟
هذا الأمر لابخص العقائد فقط بل حتى الايديولوجيات، فبعد أن نتبع ايديولوجيا معينة، فإنها تجرنا على القراءة لكتب أشخاص محددين، و حضور فعاليات محددة، و تجاهل ما عند الآخر، و بالتالي نحكم على الأخرين من الزاوية التي نحن فيها، و هذا منافي للصدق في الوصول للحقيقة.
ليس المشكلة في تبني منظومة أفكار، لكن المشكلة في تجاهل و حجب ما عند الأخر.
كثير ممن أناقشهم ممن جمدوا على اختيار آبائهم يقولون لي: نحن بحثنا عن الحقيقة و توصلنا إليها، و هم فعلا قد قرأوا من الكتب الكثير و أنصتوا لدروس عديدة لكن حالهم أشبه بحال من سيحتاز امتحان الرياضيات ، فأخذ يدرس و يسهر الليالي و يقرأ الكتب و يذاكر، و في النهاية دخل الامتحان و وضع الحل حسبما فهم، وبذلك يكون فعلا قد بذل الجهد الكافي.
لكن تخيل أن الامتحان هو امتحان الرياضيات، بينما هو ذاكر في كتب التاريخ.
يذكر علماء الاجتماع أن «التقليد الأعمى» يبعد الناس عن حقيقة انسانيتهم، فقد توصلوا بعد مجموعة أبحاث إلى قاعدة تقول: « إن قوة درجة روح التقليد تتناسب عكساً مع قوة العقل والإرادة »،
فمثلاً الحيوانات، لا سيما تلك التي تشبه الإنسان كـالشامبانزي هي في المرتبة الأولى من ناحية التقليد والجمود، ويأتي بعدها القبائل المتوحشة، ثم يأتي في الدرجة الثالثة الأطفال والنساء والرجال عصبيو المزاج وضعيفو النفس(1). إلى أن يصل الأمر إلى الإنسان الراقي الذي يسيطر عقلُه على عواطفه وتكون روح التقليد الأعمى والجمود الفكري لديه ضعيفةً جداً ويحكمه بدلاً من ذلك ناموس الاقتباس (أي التقليد العاقل والواعي) الذي يُعتبر من أول علامات اكتمال العقل ومن أهم وسائل الرقي والتطور.
و لعل هذا التقليد و اتباع الآباء من أسباب ما نحن فيه من اقتتال طائفي، و القتل على الهوية، كما حصل في العراق و يحدث في سوريا، حيث أصبح السني هو سني المولد و الشيعي هو شيعي المولد، و الكل يدافع عن معتقده الذي ورثه عن آبائه و يضحي بروحه من أجله.
و أختم بطرفة حدثت لي مع أحد الأشخاص حيث كان متحاملا على المذهب المخالف، فقلت له إذا كنت تعتبر أن فلانا شيعي –وهو ديكتاتور عربي- و تنتقده، فإنك يجب أن تعتبر أن فلانا سني –دكتاتور عربي أخر- و يجب أن تنتقده، و بذلك يصبح عمرو دياب سني، و عاصي الحلاني شيعي، و نانسي شيعية و هيفا سنية، فقاطعني غاضبا: كلاااااا، و إنما هيفا شيعية. و كأنني قلت ما يغضب الرب سبحانه.
هذه مشكلة من بين مشاكل كثيرة يعاني منها العقل المسلم .لذلك أرى أن إنشاء مؤسسات فكرية لانتاج الأفلام القصيرة، تعالج فيها بشكل ساخر هذه المواضيع هي جزء من الحل اليوم، فشبابنا اليوم هم شباب الشبكات الاجتماعية و ليسوا شباب الكتب الضخمة أو المقالات الطويلة.

المراجع:
(1) علم الاجتماع، ج1/ص92-96.

3 تعليقات

  1. تعرف الدولة بمفهومها الحديث بحسب الفقه الدستوري على انها تفاعل شعب في حيزه الجغرافي مع سلطة تملك شرعية التمثيل السياسي للمجتمع.
    بدورهم علماء الأجتماع بمفهومه الحديث يعرفون اجمالا المجتمع على أنه عبارة عن مجموعةبطون أو كربوراسيون يشترك كل منها في المصلحة وتنتظم داخل المجتمع لتتفاعل من أجل الرفاه المشترك.
    فالمجتمع بحسب هذاالتعريف هو مجموعة مجتمعات صغيرة داخل المجتمع الكبير, كل منها يمثل مصلحة ,فهناك مثلا مجتمع الصناعيين و مجتمع الحرفيين و مجتمع الفلاحين و مجتمع المعلمين و مجتمع الأداريين و هكذا.
    من هذا المنظور يصبح المجتمع السياسي الذي يقابله المجتمع المدني بمختلف بطونه و مصالحه, يلعب دور الناظم لتفاعل مختلف البطون من أجل ازدهارها خدمة للرفاه المشترك.
    في تجارب الدول الناميةخصوصا, قليلة هي الدول التي لعب فيها المجتمع السياسي دور الناظم لتفاعلات المجتمع من أجل الرفاه المشترك, حيث كانت اما منحازة لفئة على حساب أخرى أو فاشلة تماما في لعب دورها الناظم , وهذا ما يفسر تحول التفاعل الأيجابي و المبدع داخل المجتمع لينحرف الى صراع مميت بين المصالح المتضاربة.. كذلك الذي يحصل حاليا في سوريا وليبيا و مصر و غيرها من البلاد العربية.
    ومن التجارب الناجحةالتي يمكن ان نستشهد بها في الدول النامية, التجربة التركية و التجربة الماليزية والتجربة الهندية والتجربة الصينية, التي أستطاع فيها العقل السياسي أن يلعب دوره الناظم بأمتياز بالرغم من الفسيفسائية اللغوية و العرقية و الدينية في هذه المجتمعات.
    في الدول العربية و حتى هذه اللحظة لا توجد تجربة واحدة ناجحة, والسبب في ذلك يعود بالأساس في نظري الى:
    .ثقافة المجتمعات العربية ذات النزعة العاطفية التي يطغى عليها الأنبهار و حتى تقديس الشخصية الكارزمية سياسية كانت أو دينية او فكرية, و التي يصنعها و يضخمها الأعلام.
    .أنفصال النخب بمختلف تشكيلاتها الثقافية و الأعلامية و الفكرية و الفنية و…عن باقي فئات المجتمع اما أزدراءا أو يأسا أو تحالفا مع النظم القائمة, بل ان بعضها لعبت دورا سلبيا في تكريس الفكر الأحادي و تقديس الشخصية الكارزمية على حساب الفكر النقدي لكل فعل انساني..
    .غياب الخطاب النقدي العلمي الموضوعي للفعل السياسي و استبداله المقصود بخطاب دعائي بروباغندي سخيف وساذج و غياب القراءة النقدية للأنتاج السياسي و الأعلامي و الفكري- الثقلفي الذي يمكن الجمهور من التفاعل مع الشأن العام السياسي منه و الغير سياسي.
    أن معادلة العلاقة التفاعلية داخل المجتمع الواحد و التي كلما كانت ايجابية و مبدعة كانت جالبة للأزدهار و الرفاه الأجتماعي المشترك, تنسحب أيضا على مستوى العلاقات بين الدول المتجاورة, حيث نلاحظ أن التوترات السياسية المؤدية الى الحروب و الأقتتال, سببها الأساسي هو تحول التفاعل الأيجابي في العلاقات البينية الى أنكسار ثم الى قطيعةتعكس بوضوح فشل المجتمع السياسي في أدارة أختلاف الرؤى و المصالح بين الدول المتجاورة.
    لأحتواء هذه الظاهرة بالذات و التي كانت سببا مباشرا في أندلاع حربين كونيتين أودتا بحياة الملايين من البشر, كان للمحور الأورو-أطلسي أو ما يسمى بالغرب تبني مبادرات و اجتهادات على الصعيدين السياسي و الأقتصادي, من ذلك على سبيل المثال و بالأضافة الى مجلس الأمن الدولي كان لهذا المحور مبادرة أنشاء ما يسمى بتجمع بلدلبرغ, الذي يعتبره الكثير من المتتبعين « حكومة العالم الخفية » و الذي يضم كبار الساسة والمصرفيين العالميين و كبار المفكرين, وكبار المساهمين في الشركات العابرة للحدود, هدفه الأساس و المعلن هو تجنيب العالم الأنزلاق نحو الحروب الكونية المدمرة.
    و من هذا المنطلق يمكننا ان نتساءل: هل يحق لنا كمجتمعات عربية متخلفة في كل شيئ, حتى في أنشاء تجمعا ما للحفاظ على مصالحنا الحيوية و رعايتها في أطار سلمي وذكي, أن نلقي باللائمة على الآخر ونتهمه جزافا بالتآمر علينا كعرب و كمسلمين بينما الحقيقة هي عجزنا عن التكيف مع مقتضيات عصرنا و التي تطالبنا و بألحاح على أجبار المجتمع السياسي على لعب دوره كاملا غير منقوص في تأمين التفاعل الأيجابي لمختلف شرائح المجتمع و التفاعل الأيجابي مع محيطه الجغرافي المباشر.

  2. الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على أنبياءه و رسله
    « .. البحث عن الحقيقة  » ؛ أوافق تساؤل الفرد في إحدى مراحل حياته عن الأسئلة الوجودية و أسبابها و مآلها … و أذَكِر أن البحث مناطه المعلومات المتوفرة للعقل و لأنه بدون معلومات فكرية لا يسوغ للعقل أن ينتج أفكارا فيبقى دون أنتاج فكر ؛ و لأن « مسكن » الفكرة هي الذاكرة
    وعليه دون ذاكرة مملوءة بمعلومات شبه يقينية لا يمكنه التدرج بها .
    و لعل أفضل المعلومات التي يجدر بالمرء تحملها هي مصادر الطاقة و صناعتها لينتهي به الوضع إى التدبر في القوة الهائلة بملكوت و التدبرها ينتهي لمرء بطرح لماذا يتم تغييب أهل اللأمة لأهم مصدر و الذاكرة وهي حفظ القرآن الكريم. ؟

    • “.. البحث عن الحقيقة ” ؛ أوافق تساؤل الفرد في إحدى مراحل حياته عن الأسئلة الوجودية و أسبابها و مآلها …
      و أذَكِر أن البحث مناطه المعلومات المتوفرة للعقل و لأنه بدون معلومات فكرية لا يمكن للعقل أن ينتج علوما و يفرز استنتاجات فيبقى دون إنتاج فكري و منه دون توظيف الطاقة الفعلية فيما يفيد .
      و لأن “مسكن” الفكرة هي الذاكرة فيتحتم أن تـملئ الذاكرة بمعلومات يقينية و شبه يقينية حتى يمكن للعقل التدرج بها إلى ما هو أفضل و أقوم .
      و لعل أفضل المعلومات التي يجدر بالمرء تحملها هي البحث عن مصادر الطاقة الفكرية و صناعتها لينتهي به الوضع إلى التدبر في القوة الهائلة بملكوت
      ولذا بطرح سؤال : لماذا يتم تغييب أفراد الأمة لأهم مصدر طاقة الفكرية و ملئ الذاكرة به ألآ و هو حفظ القرآن الكريم. ؟

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا