في انتظار الربيع الإسرائيلي

0
4188

في انتظار الربيع الإسرائيلي
الكاتب: طارق رمضان : 08 سبتمبر 2011
ترجمة : فافة الشيخ صالح
مراجعة وتدقيق: طه كوزي.
****************
حَضَّر، نشطاء إنسانيون داعمون للقضية الفلسطينية، من رجال ونساء، أنفسهم للشروع في رحلة رمزية، من خلال تجهيز أسطول دولي، باسم المثل الإنسانية العليا، للإبحار إلى غزة المحاصرة؛ حيث لا يزال الشعب يرزح في معاناته في أكثر الظروف الإنسانية قسوة بسبب الحصار الإسرائيلي، ليعبر هؤلاء النشطاء عن التضامن الدولي مع الفلسطينيين.
حاولت الحكومة الإسرائيلية، من وزيرها للشؤون الخارجية، ومرورا بالموساد إلى القوات السرية، استعمال جميع الوسائل لإيقاف البواخر من خلال الضغط على الحكومة اليونانية، وتخريب بعض السفن، وإطلاق حملات دعائية تتهم فيها هؤلاء النّشطاء الإنسانيين المسالمين بأنهم متطرفون راديكاليون، فحققت إسرائيل، في ظرف قصير، نجاحا مهما: فأضحت، بذلك، السفن التي كانت جزء من أسطول إنساني دولي كبير غير قادرة على التحرك؛ فقد انصاعت الحكومة اليونانية للضغوط ومَنعت السّفن من الإبحار.
بعد عام من اغتيال تسعة نشطاء إنسانيين (أغلبيتهم من الأتراك) في المياه الإقليمية الدولية، تريد الحكومة الإسرائيلية تجنُّب وصمة عار جديدة وتحاول تبييض صورتها إعلاميا، إلا أنها غير مستعدة، في نفس الوقت، أن تقيم العدالة وتعيد الحرية إلى أصحابها. إن رئيس الوزراء الإسرائيلي « بن يامين نتنياهو » لا يكترث حينما يمارس سياسة غير إنسانية ضد شعب غزة الأعزل.
يظل « المجتمع الدولي » صامتا، بعد مرور أكثر من سنتين على العدوان الإسرائيلي على غزة، والذي تسبب في مقتل أكثر من 1200 مدني، ويبقى صامتا بعد مرور عام على الهجوم ضد مدنيين سلميين على متن « باخرة السلام »، ولا يحرك، ما يطلق عليه اسم « المجتمع الدولي » ساكنا، وهو يرى استمرار بناء مستوطنات جديدة غير شرعية على الأراضي المحتلة، وهو لا يزال في حالة عجز وشلل تام.
لقد احتفلنا بما يسمى « الربيع العربي » في نفس الوقت تغاضينا عن محنة الفلسطينيين التي لم تعد تطاق، منذ أكثر من 60 عاما، وخطابات جميلة ترن هاتفة بالعدالة للفلسطينين إلا أنهم لم يوهبوها. وهكذا تمر الأيام و تظل دولة إسرائيل كما هي: صماء عنيدة؛ فهل يمكن أن نأمل ، في يوم من الأيام، في الاحتفال بـ »الربيع الإسرائيلي »؟
نُصح الفلسطينيون بإيقاف مقاومتهم المسلحة لينالوا رضا ودعم الدول الغربية، طُلب منهم أن يصوغوا قواعد العملية الديمقراطية في الداخل، كما نُصحوا بقبول شروط ما يطلق عليه « عملية السلام »، تَمّت دعوَتهم للتفاوض، ثم إلى التفاوض مجددا، للمرة الخامسة عام 2005 وعَدُوهم بـ »السلام ».
ستة أعوام مرت بعد هذا، لم تزدد فيها وضعية الفلسطينيين إلا سوء وأسى. لقد جعلوا منهم طرائق قددا، لأن « المجتمع الدولي » لم يرض بالاختيار الديموقراطي للشعب الفلسطيني بعد « الانتخابات الحرة الأولى في الأراضي المحتلة »، بعد ست سنوات: ليس لدى الفلسطينيين دولة مستقلة، ولا أملَ لديهم أن هذا الخيار سيؤدي إلى وضع أحسن وأفضل، فإسرائيل مازالت مستمرة في توسُّعها الصامت: ببطء، وثقة، ودراية، ولكن وفق إستراتيجية.
باستثناء الإستراتيجية الفلسطينية، لا شيء، على ما يبدو، قد تغير؛ يعلم الفلسطينيون أن هذه العملية ستأخذ وقتا طويلا جدا. إلا أنهم يحاولون تقييم قدراتهم على المقاومة غير المسلحة في ضوء الثورات العربية. ومع هذا قد يكون من المستحيل عمليا أن يسعوا إلى تحريك احتجاجات جماهيرية بسبب الحقائق الجغرافية، وبالنظر إلى الأوضاع السياسية.
تعيش غزة وضعية يائسة؛ وقد بدأت الضفة الغربية هي، بدورها، في الاختناق. مع هذا فالفلسطينيون يقاومون بكرامة وشجاعة، إنهم لن يستسلموا أبدا. فمن واجبنا أن نُظهر تقديرنا لمقاومتهم العادلة والمشروعة، وعلينا أيضا أن نسعى للمطالبة بأن تتوقف الحكومة الإسرائيلية عن سياساتها القمعية وعليها كذلك أن تستمع. في هذه الأثناء، لا تكاد أمريكا تنبس ببنت شفة، في حين لا تملك الدول الأوروبية إلا الاقتداء بها.
لقد أضحت المقاومة الشاملة غير المسلحة على إسرائيل ناجعة وفعالة، فقد استطاع الأسطول البحري الدولي أن يحسس الرأي العالمي بشكل أكثر وقْعا: بتوفيره الغذاء للفلسطينيين، وكسره الحصار المضاد لحقوق الإنسان في غزة. وبالمناسبة، فقد نجح النشطاء الإنسانيون في الدعوة لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية في العالم إلى درجة كبيرة، واستطاعوا تعطيل استثمارات اقتصادية إسرائيلية، وإدانة سياساتها غير الإنسانية. يتعلق الأمر، إذن، بحركة غير مسلحة، سلمية وعالمية، إلا أنها تحتاج إلى المزيد من الهمَّة و التحريك؛ الأمل الوحيد المتبقي هو أن نفرض على إسرائيل، رغم الدعم الدولي لها، « ربيعها الداخلي ».
مما يثير الحنق والاشمئزاز رؤية الدول الغربية تنبطح للضغوط الإسرائيلية، وتُكلّف نفسها إعاقة إجراءات قانونية وسلمية ضد أعمال إسرائيل الوحشية ضد الفلسطينيين، فالمستقبل يبدو قاتما، ولا أحد بإمكانه أن يتنبأ بما قد يحدث في الشرق الأوسط، إلا أن الشيء الوحيد الأكيد هو أن الفلسطينيين لن يرضخوا و لن يستسلموا وسيتمكنون، في نهاية المطاف، من الحصول على حقوقهم.
في الوقت الذي قد يتساءل فيه البعض : « ماذا لو أثبتت المقاومة السلمية وغير المسلحة أنها غير ناجعة؟ » ينبغي أن تكون إجابتنا كالآتي: لا يوجد في التاريخ سوى قرار واحد صائب، وهو: « المقاومة ضد القمع وضد الاحتلال ».
يعرف الفلسطينيون أكثر من أيّ كان: الوسائل المتوفرة بين أيديهم. أما بالنسبة لنا فينبغي أن نعرف آليات المقاومة المتاحة لنا: شجب السياسة الإسرائيلية، كسر العزلة المفروضة على الفلسطينيين، ومقاطعة السلع الإسرائيلية؛ إن الأمر يتعلق بنضال تاريخي مستمر؛ سيؤثر، لا محالة، على المنطقة و كذا العالم بأسره.
لا يوجد أدنى شك: سيصل الربيع عما قريب.

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici