الشرق الأوسط : الاستقلال و التبعية
الكاتب: طارق رمضان : 15 جوان 2011
ترجمة : فافة الشيخ صالح
مراجعة وتدقيق: طه كوزي
************
البعض يُطلق عليه اسم « الرّبيع العربي » و البعض الآخر يُفضّل تسميته » الثورات العربية »، فيما ذهب آخرون، مع بعض الحيطة، إلى استعمال مصطلح أكثر حيادا فقالوا عنه » حركة التغيير العربية ». من العسير، في الوقت الراهن ، فحص أو تحليل هذه الظاهرة، أو توقُّع الذي سيحدث فعلا في الشرق الأوسط. الشيء الأكيد هو أنّ العالم العربي يمر، في أيامنا هذه، بمرحلة تحوُّل فاصلة وفارقة، ومع هذا لا أحد يملك القدرة على أن يعرف، على وجه الدقة و التحديد، مجريات الأحداث في تلك الاحتجاجات الشعبية أو أن يتنبأ بما ستؤول إليه ولا بنتائجها النهائية.
انتشرت بواعث للأمل وأسباب للتفاؤل، في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وكذا في جميع أنحاء العالم، فالشعوب العربية بدأت تسير نحو الحرية، و الكرامة، و العدالة، و نحو الديمقراطية الحقيقية، تُصرّ على استرجاع استقلالها السياسي و التاريخي و تتطلع للتطور والديمقراطية؛ ما جعل الرئيس الأمريكي بارك أوباما يُصرّح: « التاريخ يصنع نفسه ». واليوم يتنبأ المئات من المحللين السياسيين بـ »مستقبل زاهر » للمنطقة، ها قد وصلت الأخبار السارة ! « العالم العربي يستيقظ ».
علينا قبل كل شيء أن نشيد بشجاعة و إصرار الشعبين التونسي والمصري اللذين كانا السبّاقين للوقوف بتحد كبير ضد الطغاة و ضد أنظمتهم الفاسدة، هرب الطغاة و المفسدون في الأرض، وأضحت الطريق، من الآن فصاعدا، معبدة باتّجاه ديمقراطية حقيقية وشفافة، كما أصبح الوقت مناسبا لإرساء قواعد ومبادئ أساسية لا تفاوض حولها: دولة القانون، عدالة الحقوق المدنية، استفتاء، شفافية بما في هذا الفصل ما بين السلطات.
بدأت النقاشات العامة، في تونس و مصر، حول محتوى دستور كل بلد، والأحزاب السياسية، وفيما يخص شكل الانتخابات التي ستشهدها كل دولة، وقضايا مصيرية أخرى. لم يحدث من قبل، على الأقل خلال القرن الماضي، أن شعرنا بهذا الحجم من التفاؤل والأمل على الصعيدين الاجتماعي والسياسي؛ إلا أنه ينبغي أن نكون حذرين إلى أن الوضع لا يزال هشا وغير محسوم.
علينا أن نتفاءل لكن تلزمنا الحكمة والرّوية: هذه التغيّرات التاريخية التي تشهدها المنطقة ليست تحدث في فراغ كوني؛ فلا يمكننا فصلها، مثلا، عن حقيقة الوضع الاقتصادي لتلك البلدان، ولا عن محيطها الإستراتيجي الإقليمي، فالحالة الاقتصادية لتونس و مصر مثيرة للقلق، ومن المؤكد أننا لن نبلغ درجة ديمقراطية حقيقيّة ومتقدمة دون تحقيق استقرار اقتصادي، إلا أننا حين نحلل الأحداث على ضوء الإستراتيجية الغربية في المنطقة (الأمريكية والأوروبية) نجد في أنفسنا رغبة جامحة في مراجعة الأحكام التي نصدرها وعدم استعجالها.
الأكيد أن الاستقلال السياسي يتحقق بإنجاز إصلاحات اقتصادية حقيقية لا تؤدي إلى الاستقرار فحسب، بل إلى الاستقلال الاقتصادي أيضا، ووفق هذا المنطق فإننا نسير في الاتجاه الخاطئ؛ فالالتزامات الجديدة للولايات المتحدة وأوربا في دول الشرق الأوسط و شمال إفريقيا تُعمّق و تُشدّد التّبعية الاقتصادية لتونس و مصر، ولهذا ينبغي أن لا ننسى ونتجاهل عشرات السنين من تواطئ الأميريكيين والأوربيين مع الدكتاتوريات العربية والدعم المطلق لها.
بالرغم من أننا نرى إلى « تونس » و »مصر » على أنهما دولتان ديمقراطيتان نائشتان، إلا أنهما، في نظر الغرب، عبارة عن أسواق ذات قدرة كبيرة على تحقيق فوائد وأرباح طائلة، الأكيد أن هذه الرؤية كانت قائمة منذ أمد، إلا أنّ الدور الجديد لصندوق النقد الدولي و للبنك العالمي في الفترة « ما بعد الثورات » هو التّأسيس لبُنية جديدة تكرس التّبعية الإيديولوجية و الاقتصادية وتحفظها، متخفية خلف غطاء الحرية و الديمقراطية.
صفة « متحرر » لا تحمل نفس الشحنة المعنوية بين جنوب المعمورة الفقير وغربها الصناعي الاقتصادي، فالديموقراطية وحرية الشعوب، في ذهن الإنسان الغربي، مطلب شرعي ما لم تؤثر في مصالحه الاقتصادية في المنطقة.
هل نحن بصدد متابعة ثورات سياسية غير مكتملة، مقترنة بتراجع اقتصادي رهيب؟ هل سينتهي الأمر بهذه الدول الثائرة بأن تصبح مجرد ديمقراطيات « متحكم فيها عن بُعد » ؟ أم أن الأمر، بكل بساطة، يتعلق بثورات شعبية انتهت بالفشل؟ هذه الأسئلة المفصليّة تشتدّ أكثر وأكثر حين نسعى لتحليل الوضع الإستراتيجي في المنطقة.
يُظهر، ما يُطلق عليه، « المجتمع الدولي » ثناءً كبيرا « لتونس » و »مصر »، في الوقت الذي تبدو فيه شعوب « سوريا » ، و »اليمن » و »البحرين » المضطهدة والمقموعة وكأنها مُحيت كليا من الذاكرة. كيف يُمكننا أن نقدم تفسيرا لهذه المفارقة: في حين تَتَلقّى المعارضة الليبية، بما فيها بعض أولئك القادة الجدد الذين كانوا، بالأمس، أكثر الموالين للطاغية القذافي، كل هذا الدعم غير المشروط لإزالة نظام القذافي: من تمويل، وتغطية إعلامية، وتجنيد مطلق لقوات الحلف الأطلسي؟
ثمة حقيقة ينبغي الانتباه إليها؛ لقد تم إعادة تصنيف الاحتجاجات الشعبية ودماء الشعوب العربية التي تسيل على أنها ليست من نفس « الجودة » و لا بنفس « القيمة ». لذلك نجد أن « تونس » و « مصر »، رغم ما يبدو فيها من إجراءات ديمقراطية، لا تزال قابعة تحت المراقبة الاقتصادية والعسكرية؛ في حين تجازف الدول الغربية بدعم معارضة مشتّتة و غامضة لسبب وحيد هو أن مصادر البترول الليبية حيوية جدّا وتمثل مخرجا من الأزمة المالية للدول الغربية، ولا يهمها، بالمناسبة إن انتهى الوضع في ليبيا بتقسيم البلد وتفكيكه.
إن سوريا و البحرين و إلى حد ما اليمن تبدو في نظر الغرب دولا حرجة من حيث الجيو-إستراتيجية إلا أنها لا تؤثر بشكل كبير على مصالحها المادية؛ لذا فإن حكّامها يتمتعون بالحرية المطلقة في قتل مواطنيهم وإطلاق النار على تظاهراتهم السلمية (مرت ثلاث أشهر لتبدأ الأمم المتحدة في دراسة « إمكانية » اتخاذ قرار محتشم ضد النظام السوري)، إذن فالأمر لا يتعلق بطبيعة التغطية الإعلامية للأحداث فحسب، والتي تبدو متباينة (من CNN إلى الجزيرة)؛ فاللغة السياسية المستعملة « مطاطية » للغاية عندما يتعلق الأمر « بتغيير أنظمة الحكم »، أو « تشجيع الديمقراطية » لذا فإن الرهانات والتحديات المحلية الاقتصادية والجيو-إستراتيجية للمنطقة تظل مهولة؛ فثمة جهد لابتكار أنماط جديدة من التبعية والتي يجب أن تُؤخذ في الحسبان لتُقاوم وتُنسف.
إن الإصلاحات السياسية والاقتصادية الحقيقية والفعالة مطلوبة من أجل تحقيق الاستقلالية والعدالة، ثمة تغيرات عميقة ستحدث في العلاقات بين بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من جهة، والولايات المتحدة وأوروبا من جهة أخرى. ستتم دعوة لاعبين جدد للمشاركة في الديناميكيات « dynamiques » الإقليمية. بالاعتماد على الشراكة جنوب-جنوب على المستوى السياسي والاقتصادي، يجب في المستقبل العمل وبشكل جاد، على إدماج الشراكة الحيوية لدول أمريكا الجنوبية، لتركيا ، للصّين ، لماليزيا و حتى الهند؛ فلن يكون ثمة « ربيع عربي » حقيقي إلا في حال وُجدت القدرة على تغيير مركز ثقل النظام الدولي السياسي و الاقتصادي باتجاه الجنوب أو الشرق. لا أحد يمكن أن يتكهن متى سيحدث هذا التغيُّر، مع هذا يمكن أن نرى منذ الآن علامات تدل أن هذا التغيُّر قد بدأ في الحدوث فعلا.
الثورات قد تتجاوز العالم العربي لتصل أمواجها إلى شواطئ دول أخرى؛ فقد حان الوقت للشعوب العربية أن تُثبت أنها في مستوى هذه التطلعات والآمال، وآن لها أن تكون منصفة وصادقة إزاء قدراتها الاجتماعية والسياسية و الثقافية والاقتصادية، فهي دول غنية، إلا أنه حري بها أن تتحلى بالشجاعة والجرأة.
pourrait t on avoir une traduction de ce texte inch ` Allah ? J’aimerais aussi avoir des nouvelles de la soeur pseudo « S.S la pas belle » tres presente sur le site pendant le mois de ramadan. Avec le tres beau texte « parler a Dieu » chronique les noms divins veille de ramadan. Si elle se reconnait, merci de se manifester. Maha Salam.
Cet article est disponible en français sur la page : https://tariqramadan.com/Moyen-Orient-Independance-et.html
Et en anglais sur : https://tariqramadan.com/Middle-East-Independence-and.html
Moi également, j’aimerais surtout avoir son mail pour avoir l’honneur de communiquer avec une personne d’une telle sagesse. Si elle pouvait nous honorer de ces fameuses informations.
La sagesse de qui ? Qu’en savez vous ?
La seule chose que je puisse comprendre rapidement, c’est le titre : Moyen-Orient : l’indépendance et la dépendance.
Thème paradoxal qui appelle une traduction! 🙂
Salam aleykom;
Pourrai-je savoir dans quel journal arabe cet article a-t-il été publié? Merci.
Avec tous mes respects chers auditeurs et votre permission je dirais que lorsqu’on a du temps à perdre vaut mieux le perdre à se forcer l’apprentissage de l’arabe et les moyens disponibles aujourd’hui sont fleuves et tout en restant à la maison .
Car avant les années ’90 pour entendre l’arabe il n’ y avait que les ondes courtes et encore à des heures bien limitées quand à la bibliographie pour l’arabe cela relevait d’une conquete de l’espace .