الإصغاء إلى صوت الشيخ عبد السلام ياسين

الإصغاء إلى صوت الشيخ عبد السلام ياسين*

طارق رمضان

نقله إلى العربية: الأستاذ شياظمي صلاح

عندما يرحل إنسان ملبيا نداء الواحد الأحد، فمن الضروري أخذ الوقت الكافي للتأمل في الحياة بشكل عام، ومعنى الحياة على وجه الخصوص، وكذلك الدروس والعبر التي يمكن استخلاصها. معاني التواضع، والاعتدال، والحياء، والربانية، والذكاء…كل هذه الخصال تنطبق خصوصا عندما يتعلق الأمر بمرجعية دينية كبيرة، و بإمام مرشد، وزعيم تنظيم كبير، ومفكر كان له  أثر كبير وعميق وهو الشيخ عبد السلام ياسين رحمه الله.

في سن ال84 عاما  لبى المؤسس والمرشد العام لجماعة العدل والإحسان نداء الله تعالى بعد حياة تغذت على الإيمان، و التأمل، و المقاومة، و الشجاعة و التماسك… لقد دفع ثمنا غاليا في سبيل ذلك باعتقاله لسنوات تحت حكم الحسن الثاني، جراء كتاباته وبياناته الموجهة للسلطات المغربية؛ والملك والنظام الملكي. وقد تحسن الوضع إلى حد ما مع وصول الملك محمد السادس، لكنه لم يتوقف من التذكير أن مال الشعب المغربي يجب أن يعود الى الشعب، و لا يمكن أن يتحقق ذلك إلا باحترام مبادئ الإسلام.

التحق الشيخ في وقت مبكر بإحدى الطرق الصوفية، لينبه إلى أن العمل السياسي وسيلة لا غاية. تعتبر جماعته منظمة بإحكام وملتزمة بالأنشطة التربوية (عقد جلسات تربوية وتعليمية، أوراد الذكر، قيام الليل… إلخ.) وملتزمة بالإصلاح في مجالات التربية، والتأطير، والعدالة الاجتماعية، على شاكلة رؤية وأولويات الإخوان المسلمين في مصر بين سنوات العشرين و الأربعين . لقد بقي التنظيم حازما و عنيدا في علاقاته مع النظام المغربي الذي يعتبره غاصبا و غير شرعي، حيث لم يدخر له أي انتقاد.

لم تقف انتقادات الشيخ عند مساءلة النظام المغربي والأنظمة الخارجية و على رأسها فرنسا التي كرست تبعية المغرب لها اقتصاديا وسياسيا، ولم يكن قط لينا أو متسامحا تجاه التنظيمات والأحزاب الإسلامية في عصره، بل  كان ينتقد سعيهم للحصول على الاعتراف والتقدير، وهوسهم بالسلطة وقلبهم للوسائل و الغايات، سواء تعلق الأمر بإسلاميي حزب العدالة و التنمية المغربي الحاكم، أو بتطور الإخوان المسلمين بمصر، أو التنظيمات الإسلامية في بلدان أخرى. لقد أصبحوا سياسيين أكثر من اللازم، وأقل تشبثا بمبادئ الإسلام ، حيث تدفعهم المصالح و التطلعات إلى المغامرة ونسيان الجوهر، وفقدان المصداقية في نهاية المطاف.

لقد التزم في قلب جماعته بالاعتراف بأفضل مكانة للنساء ودورهن.حيث كانت كريمته أولى القيادات النسائية البارزة، بل امتدت رسالته إلى نطاق أوسع بشكل جلي. فالمغرب كان في أمس الحاجة إلى نساء مسلمات تلقين تربية منفتحة و مسؤولة. فلا يوجد في الإسلام ما يمنع المرأة أن تكون ربانية، ومثقفة و مناضلة، وقائدة في آن واحد مادامت تتمسك بتعاليم دينها. لقد تطرق الشيخ ايل هذا الأمر في جل كتاباته،  وحاول ما أمكن أن يقوم بتفعيله داخل جماعته، مع مواجهة بعض الصعوبات في بعض الأحيان.

لقد كان للعدل و الإحسان، من بين جميع الحركات الإسلامية الحالية، وضع خاص، حيث رفضت المشاركة في الحكم، وكان خطاب الشيخ عبد السلام ياسين يجمع بين الربانية والتماسك ، والشفافية و عدم الانزلاق السياسي. خلال زيارتي الأخيرة لبيته قبل بضع سنوات، استوقفني وفاؤه لرؤيته و مبادئه و مواقفه وآماله. يفرض احترامه من شدة هيبته، يشع نورا، جالسا بكل تواضع؛ متأملا و مبتسما. لن أنس ذلك أبدا! رحمه الله تعالى.

لقد كان رجلا من أهل القلوب و الربانية و الجرأة. و كان رجلا إنسانيا بقوته و فهمه ووجهات نظره. كنت دائما أقدر تواضعه و نزاهته، رغم أنه كان من الصعب في بعض الأحيان التعامل مع بعض أعضاء جماعته الذين كانوا يميلون إلى المثالية المفرطة، و يزدرون كل من يخالف الشيخ. يجب أن نتذكر أن القرآن يذكرنا باستمرار أنه حتى الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن سوى إنسانا، فكيف بنا نرى في بعض الأحيان أعضاء من بعض التنظيمات (إسلامية  أو غيرها) يمجدون زعيمهم أو قائدهم إلى درجة  قد يبدو فيها أن هذا التنظيم ليس قائما إلا على  عبادة هذا الشخص أو ذاك. و لم يُستثن بعض أعضاء جماعة العدل والإحسان من هذه الفتنة، و هذا الوضع غير السليم و المخالف لجوهر التعاليم الروحية. وكان الشيخ عبد السلام ياسين حريصا إلى التنبيه إلى هذه الأمور، حيث كان يظهر دائما بشكل بسيط، بكل تواضع و اعتدال.

لقد فقد المغرب وجها بارزا ترك بصمته في عصره. على الرغم من أن الوضع السياسي في المغرب كان ، ولا يزال، أفضل بكثير من الدول المجاورة من حيث الحقوق والحريات، تظل الحقيقة أن الدعوات لإصلاح البلاد لا تزال موضوع الساعة. إن الرفع من جودة التعليم ، ورفض استعمار العقول ، ووضع حد للفساد ، وتعزيز العدالة الاجتماعية والمضي قدما نحو مزيد من الانفتاح السياسي والاقتصادي هي التحديات التي تواجه المغرب. و تعتبر حاليا إعادة الصلة بالجذور الروحية و بالمبادئ الأخلاقية و بالثقافة كذلك بمثابة الأولويات بالنسبة للمغرب. ويبقى صوت  الشيخ عبدالسلام ياسين صوت الشفافية و الشجاعة الذي يجب أن ننصت إليه بكل تمعن. يمكن أن نختلف مع الشيخ في بعض وجهات النظر، وفي اتخاذ بعض المواقف، أو في تأويل بعض النصوص الدينية، لكن لا يمكن ألا نعترف في نهاية المطاف بكرامة و عظمة هذا الرجل، حيث لم يستطع أحد أن يُركعه، و هو الذي وهب حياته  من أجل هدفه المثالي : تحقيق العبودية لله تعالى، و إصلاح النفس، و المجتمع.

ندعو الله له مع عميق تقديرنا له أن يتقبله في رحمته و يرحمه رحمة واسعة، آمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* تم نشر المقال الأصلى بعنوان le shaykh abdessalam yassine: entendre sa voix  بتاريخ: ٢٤ فبراير ٢٠١٣

http://tariqramadan.com/blog/2013/02/24/shaykh-abdessalam-yassine-entendre-sa-voix/

 

 

9 تعليقات

  1. رحمة الله عليه كان إنسانا متواضعا وبسيط ولا يحب الظلم كرس حياته لخدمة هذا الدين والحمد لله اسأل الله تعالى ان يرحمه ويجعله من الأولياء والصالحين ، مقال جميل

  2. شكر الله للمفكر الفاضل طارق رمضان هذه الشهادة المنصفة وﻷخينا المترجم على ما بذله من جهد لنقل هذا االتصريح إلى اللغة العربية.

  3. اذا كان الوضع كما قيل في هذا لمقال, اذن بماذا يرد على الذين يقولون ان الجماعة اخذت منهجا غير منهج السنة و انه يغلون في الدين, و ينسبون لرسول الله افعال لا استطيع شخصيا تصديقها, مثل ما يحلم به بعض افراد الجماعة, و خصوصا قضية الاحلام و العلم اللدني و غيرها مما سمعت, ما رايكم؟

  4. الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على أنبيائه و رسله
    من المعلوم أن الحيز المكاني لا يُقدر و هو عامر إلا نادرا و لا يتضح قدره إلا عند فراغه ؛ كذا كان أمر الإنسان عندما فارق الجنة ؛ و كذا كان أمر الإنسان عندما يفارق الدنيا بأنها كانت فرصة غير قابلة للتكرار من أجل الاستدراك و محاولة الكفارة عن الخطايا .
    و لأن قليلا منا ما هم واعون و أقل من هم عاملون على ذلك و أنذر من هم حريصون على الاستمرار و الثبات إلى السبيل الوحيد للنجاة على نهج الأنبياء و الرسل صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين ؛
    لذا يكون حري بنا أن نتذكر و نتدبر توجيهات من هم بين ظهراننا ناصحين لنا و مرشدرن لنا إلى سبيل الله تعالى و هم بينا يتحركون و يتكلمون فنظفر بشيء و نتعلم مما آوتوا من العلم و الهدى من الله تعالى . فيكون قبل أن اغادروا حاضرنا و يبقى بنا أسف دفين على عدم مرافقتهم و مجالستهم …
    االهم نسألك أن تطهر قلوبنا للإيمان بك و ن سألك أن تهدي الأمة لما تحب و ترضا .

  5. باسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن تبعهم باحسان الي يوم الدين .
    السلام عليكم ورحمة الله جزاكم الله خيرا يا سيد طارق رمضان وأرجو من الله عز وجل أن يتقبل منكم هذه الشهادة ويجعلها في ميزان حسناتكم آآآمييين
    فهي شهادة حق نطقتتم بها أكيد بعد دراستكم لكتب الأستاذ عبد السلام ياسين وأيضا بعد اتصالكم به واطلاععكم على منهجه و…..المهم انكم لم تدلوا بهذه
    الشهادة من فراغ كما فعل ويفعل الكثيرون ممن ينتقدون الأستاذ ياسين وجماعته من دون اي اطلاع ولا علم فيتهمونه بالخرافي والبدعي….
    فجزاكم الله خيرا وشكر لكم وأرشد بكم آآآآآآمييييييين يارب العالمين .

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا