الإحصاءات والمعلومات: الدور الغائب في بلادنا العربية

مجتمعات بلا خطة
بقلم: محمود عبد الرحيم ناجي

لا شك أننا لم نفهم عالمنا المعاصر بالطريقة الصحيحة ولا شك اننا نعيش أزمة جراء ذلك ولذلك فنحن قبل كل شئ ضحايا لفهمنا الخاطئ وليس ضحايا لمؤامرات الآخرين أو خداعهم، وإن كان لهذه المؤامرات وهذا الخداع نصيبا مما وصلنا إليه لا ننكره ولا نخشاه. فبلادنا العربية لا تعاني من التخلف في العلم ولكن يبدو أنها أيضا تعاني من التخلف في فهم العلم وأدواته وأساليب تطويره ونشره. ويأتي هذا الفهم الخاطئ نتيجة لغياب المعلومة الصحيحة أوعدم الاهتمام بها من الاساس.
مما يتركنا مع سؤال هام إلى متى يستمر هذا الفهم الخاطئ هو المسيطر على تصوراتنا ؟
إن أكبر أزمة نعانيها في مجتمعاتنا ودولنا العربية أدت لهذا الواقع المرير في تقديري هي أزمة المعلومات ( الإحصاءات ) وهي ليست أزمة بسيطة فعليها ترتب كل هذا الخلط وكل هذا الضياع والتخبط الذي نراه فهذه المجتمعات لا تعيش وفقا لمعلومات أو احصاءات تساعدها علي تحديد مكانها الحالي وهدفها المستقبلي؛ أي انها مجتمعات تعيش بلا خطة…
ولكي نبدأ في فهم أزمة المعلومات في بلادنا العربية يجب أن نحدد أبعاد هذه الأزمة، وعناصرها ومكوناتها. وبالبحث البسيط نجد أنها تتمركز في نقاط أساسية هي كالاتي :
1. من حيث طبيعة التعامل: يتم التعامل مع المعلومات والاحصاءات والمؤشرات كاسرار حربية ( عدد المواطنين المسيحين في مصر مثلاً ).
2. من حيث التشريع: لا يوجد قوانين لحرية المعلومات وتداولها وتحليلها .
3. تمركز المعلومات الصحيحة في دائرة ضيقة في دولنا تحتكر لنفسها دون غيرها حق الاطلاع وحق المنع والسماح دون سند شرعي ويترك المواطن لسيل من المعلومات المتضاربة والمتعارضة والمشتته للانتباه ومجهولة المصدر .
4. انعدام الاحساس بأهمية المعلومات والاحصاءات في المستويات الإدارية المختلفة حيث لا يتم التعامل معها كمؤشرات لتقييم وتطوير الأداء بهذه المؤسسات .
هذه الاسباب السابقة ساهمت في ترسيخ ثقافة اللامعلومة وغياب الرقم الصحيح وبذلك غياب مدلوله وانعدام الاستفادة منه مما عزز ثقافة الاجتهاد الشخصي دون ضوابط العمل العلمي المنظم.
كما أن هذه العناصر الأربعة تعتبر عاملاً أساسيا في غياب الاستقرار عن هذه المجتمعات وتعتبر من العقبات الاساسية التي تحول دون تحول هذه المجتمعات إلى مجتمعات ديمقراطية حديثة.
ولكي نتغلب علي هذه العناصر نحتاج إلى تغيير في بنية الأنظمة الحاكمة بهذه البلدان ونحتاج لنضال قد يمتد لعشرة سنوات إذا ما بدأنا فيه ( نضال على المستوى التشريعي والحقوقي والمجتمعي). ويجب على أنصار المجتمع الحديث أن يعوا أنه بغياب المعلومات والاحصاءات والمؤشرات لاوضاع بلدنهم وموقفها المالي والاقتصادي والعسكري سيكونون ضائعين ولن يقدموا شيئا مهما حاولوا، كما سنحتاج أيضا لإنشاء كيانات بديلة عن تلك التي يناط بها إيجاد هذه المعلومات حاليا.
ومع انتشار الانترنت وانفتاح بيئتنا العربية على شبكات التواصل الاجتماعي فؤجئنا بالعكس تماما. فؤجئنا بفيضان من المعلومات يثير دهشة وتساؤلات لا حصر لها، وبدأت هذه الانظمة تفقد تحكمها وسيطرتها على مساحات كبيرة من الرأي العام وبدأت هذه الشعوب تستقي معلوماتها من أماكن أخرى تسبق الأنظمة الحاكمة بحقب زمنية كبيرة ولكن هذه الانفراجة وهذا الانفتاح الإكتروني أصبح ساحات لحروب كبيرة تدار بين الشعوب والأنظمة. لاشك أن الأنطمة هي الخاسر فيها ولا شك أننا يجب أن نستخدم هذا التقدم للدفع نحو وضع قانوني للمعلومات ومراكزها يتيح للمواطن الاستفادة والفهم. فالنضال ضد أساليب الدول القمعية والاستبدادية يجب ان يكون على بينة ( معلومة ).

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا