صيام شهر رمضان

الصيام فريضة أوجبها الإسلام كما أوجبتها الأديان السماوية السابقة والتي جاء ليكملها، قال تعالى : (يٰاأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الآية 183 من سورة البقرة.)

نزلت هذه الآية في السنة الثانية من الهجرة في المدينة المنورة، حيث كانت الأمة الإسلامية آنذاك في طور التشكل في إطار مجتمعي منظم. وكما أنّه من الواضح تمام الوضوح للمسلمين أن الامتثال للأمر الإلاهي الوارد في هذه الآية يلزمهم بصورة شخصية -نساء ورجالا- بهذه الفريضة، فإن الإمساك عن الطعام والشراب في هذا الشهر المعظم يجب أن يكون مقترنا بالالتزام بشكل كامل بأعمال الخير و التكافل الاجتماعي.

يسعى المسلمون في هذا الشهر الكريم إلى التقرب من الله تعالى بعيدًا عن المأكل و المشرب و بعيدا عن عادات الحياة اليومية وملذاتها. فهذه القطيعة لمدة شهر كامل مع الحياة الطبيعية تعتبر أمرا بالغ الأهمية في التزكية و التطلع إلى الربانية و حياة القلوب. معا، ينبغي لهم أن يفطروا بعد صيامهم ثم يتوجهوا لصلاة التراويح، والتي هي سُنَّة إضافية للعبادة اليومية في هذا الشهر. إلى جانب ذلك، فقد رغّب الرسول عليه الصلاة والسلام المسلمين في مضاعفة جهودهم للتقرب في قيام الليل وقراءة القرآن و الاعتكاف و الإكثار من الصدقات، حيث قال :
« أفضل الصدقة صدقة في رمضان » رواه الترمذي.

لذلك ينبغي أن يكون رمضان شهر التدبر و التراجع عن المشاغل الدنيوية. في هذا الصدد، لا حاجة لأن نسرد الكثير من سلوكيات بعض المسلمين الذين يسيئون إلى هذا الشهر و يتجاهلون أجوائه الروحانية فيمزجون الليل بالنهار وينامون معظم النهار ويبالغون في وجبات الفطور كأنهم في يوم عيد كل يوم. وواقع الحال أنّ جوهر الصيام يتطلب سلوكا معاكسا لذلك تماما، وقد بيَّن النبي عليه الصلاة و السلام أن أفضل الصيام هو صيام القلوب، وهو المعنى المكتمل لهذا العمل التعبدي. كما يجب أن يتوحد المسلمون خلال هذا الشهر من أجل العدالة الاجتماعية؛ لأن الصيام ينبغي أن يعين كل مؤمن على أن يجرب الحرمان و الجوع و العطش. وبهذا يذكر الجميع بحقوق الإنسان الأساسية، ويتحرك الجميع ضد آفة الفقر و سوء التغذية. فهذا البعد التضامني يعتبر جزءًا أساسيا من هذه العبادة و مظهرا من مظاهر قدسيتها، فهي تجمع بين إيمان الإنسان بالله تعالى و بين نظره في واقعه و سلوكه مع الناس.

لقد سعى الرسول عليه الصلاة و السلام دائما إلى توعية المؤمنين بأبعاد هذا التضامن الضروري و الحتمي، والذي من أجله قد فُرِضت زكاة الفطر على المسلمين والتي يجب دفعها في المقام الأول للفقراء قبل العيد في أواخر شهر رمضان، فقد قال عليه الصلاة و السلام: » أغنوهم عن المسألة في هذا اليوم » فهذا حقهم، و ستحفظ لهم هذه الزكاة كرامتهم على الأقل في هذا اليوم.

و على هذا النهج يجب أن يسير المسلمون لتتحقق العدالة و يواجهوا في بقية السنة تحديات العصر حيث يموت جوعا أربعون ألف شخصا كل يوم. فهذا أمر غير منطقي و لا يمكن أن نقبل به. فالمؤمنون كجميع الناس مسؤولون أمام الله عن هذه الحماقة. فأداء الصيام والسعي إلى التقرب إلى الله تعالى لا ينبغي أن ينسينا الحديث الشريف :
رواه الطبراني. « ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به »

2 تعليقات

  1. اللهم حصن من يحمل إسم « شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن » بحصنك الحصين وحبلك المتين من كيد الكائدين وحسد الحاسدين و سحر الساحرين وظلم الظاالمين وعبث العابثين
    اللهم امين يا رب العالمين

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا