حوار سفير نيوز- طارق رمضان و إدغار موران : »إحياء التضامن لإحياء الأخلاقيات »(1/2)

الجزء الأول من الحوار
ميلاد الكتاب « المجازفة بالأفكار » (Au péril des idées) جاء بعد يومين من الحوار بين إدغار موران (93 سنة) وطارق مضان ( 52 سنة) في يونيو 2013 بمدينة مراكش . يتطرق الكتاب الحواري إلى القضايا الكبرى الراهنة بعمق ودقة، حيث يتناول القضايا المتعلقة بالدين، والعلوم، والفن، والمرأة، والتربية، والديمقراطية، والقضية الفلسطينية…كما يجمع بين هذه القضايا خيط ناظم يتمثل في الأخلاقيات. لقد كان الحوار مثيرا بشكل كبير بين إدغار موران، صاحب نظرية الفكر المركب، والمثقف الإصلاحي طارق رمضان، رئيس مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق، وقد قام الفيلسوف كلود هنري ديبورد بتسيير الحوار. لقد كان هذا اللقاء غير المتوقع، بين الأغنوستي (المشكك في وجود الله) والمؤمن، سببا في ميلاد صداقة بين علمين من أعلام الفكر المعاصر الذين بصموا العالم بإسهاماتهم الفكرية. التقينا مع هؤلاء العباقرة وكان الحوار التالي:
سفير نيوز :طارق رمضان، أنتم الذين اقترحتم إدغار كمحاور لكم، كيف جاء هذا الاختيار؟ وكيف كان تأثيره عليك؟
طارق رمضان: هذا ليس هو الكتاب الحواري الوحيد، بل هناك أربع كتب حوارية أخرى نشرت من قبل. كما كان لي مشروع حواري مع ألبيرت جاكار وهو متخصص في علوم الوراثة، لكنه توفي مع الأسف في شتنبر 2013. بالنسبة لإدغار موران، فقد قرأت مؤلفاته ، وكنت دائما أرغب في لقائه منذ مدة. لقد كان كتابه » المنهج » يبعث على الأمل و الطوباوية، كما كان في الآن نفسه يحوي أفكارا تتقارب بشكل كبير مع الأفكار التي أدافع عنها، والتي كنت أجد فيها صدى فيلسوف الفكر المركب. علاوة على ذلك، فكتابي  » البحث عن المعنى وتطوير فلسفة: التعدّد  » كان كذلك يتطرق إلى الفكر المركب. لقد كنت على يقين، على عكس ما كان يشاع، أنه بالرغم من اختلاف مساراتنا، فقد كنا نتقاسم الكثير من الأفكار، و التي ليست بالضرورة متوافقة بشأن فرنسا، وكنت أتمنى أن يكون اللقاء بيننا في يوم من الأيام. وبعيدا عن إدغار المفكر، فإنني اكتشفت إدغار الإنسان، الذي أعتبره أخا في الإنسانية، كما أن أشياء مهمة استقدتها شخصيا في لقائي معه.
سفير نيوز: إدغار موران، ماذا تعرفون عن طارق رمضان ؟ وما هي الصورة التي تكونت لديكم بعد التحاور معه؟
إدغار موران: أنا أعرف طارق رمضان، كما أنني على علم بالضجيج الذي كان اسمه يحدثه في الساحة، حيث كان العديد يشكك في مصداقيته. هذه الأمور، على العكس، شجعتني على الحوار، لأني أكره الهجوم على الأشخاص بسبب خطابات تم اقتطاعها من سياقها. لقد كنت أسمع فقط الإشاعات. و كنت أقول أن هذا الحوار سيجمع بين رجلين بمسارات متعارضة تماما، مسار المتدين و مسار اللاديني. لكني وجدت أن التحاور شيء بالغ الأهمية مع الذين قد تختلف معهم في بعض الأفكار. و اكتشفنا أننا نعزف على نفس الوتر، و حتى عندما يحدث سوء تفاهم، نحاول أن نستفسر، وفي نهاية المطاف وجدنا أن أفكارنا تتقارب بشكل كبير. بالطبع، كل واحد منا له تاريخه الخاص، لكن اليوم هناك إشكاليات كبرى تعترض الإنسانية وتهم الجميع بدون استثناء، سواء كنا مسيحيين أو يهود أو مسلمين أو لادينيين. لقد أصبح مصير الإنسانية يؤرق بال كل إنسان، ومن الواجب أن نعالج هذه الإشكاليات. وبالتالي لم نتطرق إلى مواضيع الساعة و الجدل حولها، بل كانت رغبتنا كبيرة في تناول القضايا الكبرى التي يعرفها عصرنا الراهن. كما أعتقد أنه لو كان الناس ذووا النوايا الحسنة، واعين بهذه التحديات، لاتحدوا من أجل إنقاذ العالم، مهما كانت أصولهم ومعتقداتهم.
سفير نيوز: لقد لاحظنا أنه لم تكن هناك اختلافات كبيرة بينكما، كما أن الاختلاف بينكما في المعتقدات الدينية هو الذي أعطى للكتاب نكهة خاصة. فهل هناك مواضيع قد تختلفون حولها ولم تتناولونها بالشكل الكافي؟

طارق رمضان: لقد تطرقنا في البداية إلى النقاش حول بعض المصطلحات. فمصطلح الشعبوية مثلا، لها حمولة سلبية في نظري، بحكم أنني أهتم كذلك بالخطابات الإعلامية، في حين أن إدغار يستخدم المصطلح بشكل إيجابي للغاية. تتميز الشعبوية في نظري بأربع خصائص وهي: الرؤية الثنائية للواقع على أساس « هم » و « نحن »، و التبسيط، و التدبير العاطفي للأحداث السياسية، و التشبث بوضعية الضحية. بالنسبة لإدغار ، فإنه لم يكن متفقا على استخدامي لهذا المصطلح بهذه الطريقة، وبالنسبة له، لا يمكن استخدام هذا المصطلح الإيجابي عندما يتعلق الأمر ببعض المواقف السلبية لمارين لوبان مثلا. ثمة مشاكل طرحتها بعض المصطلحات، فقمنا بتوضيحها دون أن نكون متفقين بشأنها. وبالتالي حصل التفاهم رغم هذه الاختلافات. كما بقيت بعض الأسئلة معلقة. وفيما يتعلق بمسألة الفن، طرحنا أسئلة حقيقية حول تعريف الفن، كما ناقشنا هذا الموضوع. ولكن الأهم بالنسبة لي هو هذه المجازفة بالأفكار بعيدا عن توافق الآراء والوصول إلى نهاية المطاف إلى الاتفاق على عدد من الأسس، إضافة إلى كون مواقف إدغار موران حول مسألة التسامح، و الضحايا و المضطهدين والقضية الفلسطينية هو أكثر أهمية من محاولة البحث عن نقط الاختلاف.
إدغار موران: أنا متفق تماما مع ما تفضل به طارق رمضان.
سفير نيوز: كيف ينظر إدغار موران المقاوم إلى صعود اليمين المتطرف في فرنسا وأوربا؟
إدغار موران: كان الناس في مرحلة المقاومة وحتى الآن يقولون: « لقد كانت لكم قضية تدافعون عنها، هذا شيء رائع، لكن ما هي القضية التي تدافعون من أجلها اليوم ؟  » بالتأكيد كانت هناك قضية نبيلة ندافع عنها ذات بعدين. البعد الأول يتجلى في الرغبة في تحرير فرنسا من الاستعمار الألماني النازي. لكن عندما تحررت فرنسا، أقدمت على قمع المظاهرات التي قام بها الجزائريون في قسطنطينية، واقترفت مجازر في سطيف وقلمة وخراطة في مايو 1945 .
كانت فرنسا آنذاك ترغب في استمرار هيمتنها على مستعمراتها، ولم تطلق سراحها إلى بعد حروب مروعة. كما كان دعمنا لتحرر فرنسا من الاستعمار النازي، دون أن نعلم، سببا في إخفاء حجم الظلم الذي تعرض له أولئك الذين قدموا الدعم الكبير للجيش الفرنسي، نذكر منهم القناصة المغاربة والجزائريون الذي كانوا يشكلون جيش التحرير.
البعد الثاني يتجلى في كوننا عقدنا الأمل كثيرا على الاتحاد السوفياتي، بوصفه قوة تحررية ذات طابع ثقافي الذي كان من الممكن أن يسود العالم بأسره. لكن لم يكن الأمر كذلك؛ فقد أدركت أن ستالينغراد حققت أعظم انتصار وأعظم هزيمة للإنسانية في الآن نفسه، كما صرح بذلك الكاتب الروسي جروسمان. الانتصار جاء بعد توجيه الضربة القاصمة للنازية، لكنه تحول إلى هزيمة بسبب الجرائم الوحشية التي استمرت في عهد نظام ستالين لعشرات السنين. الآن، أناضل على جبهتين. أناضل من أجل المضطهدين في العالم بأسره، حيث تبدو هذه القضية إنسانية. كما أناضل ضد القوى التي أصبح تأثيرها هائلا في العالم كالتمويل الدولي، والمال الذي أصبح يتحكم في العالم. يجب أن نكون في حالة تأهب لمواجهة هذين التحديين.
سفير نيوز: ما هو موقفك من صعود اليمين المتطرف في فرنسا وأوربا بشكل عام ؟ و كيف يمكن مقاومة هذه التيارات ؟
إدغار موران: عندما تكون في وضعية المقاومة، فلا يعني أنك ستنتصر. كما لا يكفي أن ندين سلوك الناس ونصفهم بالشعبويين أو الفاشيين، بل ينبغي بداية أن نفهم الأسباب التي جعلتهم يصلون إلى هذا المستوى. كما يجب أن نجد تفسيرا لهذه السلوكيات الرجعية خاصة في وضعية التوتر والأزمات، وليس فقط في زمن الأزمات الاقتصادية بل في زمن الأزمة الحضارية الشاملة التي تعترض الإنسانية جمعاء. إزاء هذه المواقف الرجعية، يبدو للأسف أن قوى المقاومة ليس لها وزن في الساحة بالقدر الكافي. كما أن نظام فيشي- دون أن يكون هناك غزو ألماني- يسود ببطء، محذرا الفرنسيين من خطر المهاجرين الذين حصلوا على الجنسية الفرنسية. إذن يجب أن نكون واعين تماما ونقوم بتحليل نقدي لمواجهة هذه الإشكاليات، كما يجب أن نتوفر على تنظيمات وازنة ومتحدة لتناضل بشكل فعال. لكن الواقع مختلف تماما، فالحركات الديمقراطية الأوربية تعرف تشتتا واضحا لا يلعب في صالح البرلمان الأوربي الذي قد يشكل أعضائه أغلبية تتبنى سياسة معادية لأروبا. نحن نعيش الآن لحظات حرجة، لأن قوى المقاومة ليس لها وزن كما أنها ليست واعية، وتعيش حالة من » السرنمة. » كما لم نكن ندرك أن الاتحاد من أجل حركة شعبية والحزب الاشتراكي على وشك التفكك، وأن القطبية تفككت، وأن اليسار المتطرف لم يعد موجودا، و لم ندرك أن هتلر كان في رصيده 10 إلى 15% من الأصوات، لكنه حصل في نهاية المطاف على الأغلبية بفضل تفكك القوى الأخرى الذي لعب في صالحه… ينبغي إذن أن نعيد النظر في تكويننا، وأن نعيد بناء ذواتنا، وأن نتحد، وإلا فإننا سنتجه نحو الكارثة.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا