العقل والقلب

رأينا أن الإنسان يقر بالشهادة بكامل وعيه، متمتعا بحرية الاختيار التي تميزه عن باقي المخلوقات. نمر إذن من خلال هذا السلوك الذي يكتسي طابعا روحيا والذي يدفعنا إلى السمو، إلى مقام الوعي الذي يؤكده العقل. فمن خلال الشهادة، يقر المسلم بوحدانية الله، وأن لا إله سواه. إذن نمر من مقام البراءة إلى مقام المسؤولية، يعني نمر من النور الإلهي إلى الإقرار العقلاني، يمكن أن نقول إذن أن الإيمان لا يكتمل إلا بتفكير سليم ومعقول.

يعتبر هذا المبدأ مركزيا من أجل إحاطة سليمة بمفهوم الإنسان في الإسلام. هذا البعدان بالغا الأهمية في الحياة : من جهة يعتبر الإيمان نفخة إلهية، ومن جهة أخرى، يأتي العقل لترسيخ هذا الإيمان، والإنسان في أمس الحاجة إلى هذين البعدين من أجل تحقيق التوازن. فليس هناك تعارض بين القلب والعقل، وبين الوحي والمعرفة في الإسلام، وهذا ما يتعارض مع نظرية كامي (Camus) كما رأينا، ومع كانط (Kant) كذلك، وهو نجم في سماء الفلسفة الغربية، وهو صاحب القولة :  » لقد كنت مجبرا على التخلي عن المعرفة من أجل الإيمان ». يستند هذا المبدأ إلى تصور يجعل المعرفة محدودة، ليأتي الإيمان في مقام يتجاوز حدود المعرفة.عندما يصبح العقل غير قادر على تقديم أجوبة، يتولى آنذاك كل من الإيمان والمعتقد مسؤولية الإجابة، ويمكن أن نلخص هذا الأمر في الجملة التالية:  » أصبح مؤمنا عندما تصبح معرفتي عاجزة « .

لكن الإسلام يعتبر أن الاعتقاد، أو الإيمان كنفخة إلهية،يسبق العقل،وأن العقل لا يأتي إلا لتعزيز هذا الإيمان، وتأكيد هذا اليقين الذي يسكن كل كائن بشري. إذن المقاربات مختلفة هنا، مع وجود فوارق حقيقية، ولهذا السبب يجب صياغة تفكير عميق في ثقافتنا التعددية حول مفهوم الإنسان، حتى نكون على بينة من أمرنا، وألا ندعي العيش المشترك انطلاقا من كلماتنافقط، بل من عمق وحقيقة تصوراتنا.

نجد آية في القرآن الكريم تتكلم عن مسؤولية الإنسان بين مقام البراءة التي تصبح مسؤولية، والعقل الذي يأتي لتأكيد هذا الإلهام الأصلي :  » وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ». يعني أن كل إنسان مسؤول عن أعماله، كما ذكرنا آنفا.رغم ذلك، من حقنا أن نتساءل عن سبب إعطاء الإسلام الأهمية الكبيرة والمتجذرة لمفهوم الجماعة والأمة،ودورها الكبير في الاستقلالية الحقيقية للفرد المسلم. فإذا كان الإسلام يعطي بالفعل أهمية خاصة لمفهوم الأمة، فإن المسلمين يعيشون في إطار جماعي، لكن بوعي كبير بالمسؤولية الفردية الملقاة على عاتق كل فرد من أفراد الأمة. إن الأمة/ الجماعة تخفف من وطأة الذاتية، وهي فضاء ملائم للأشخاص، لكنها ليست فضاء للفردانية. تتيح هذه الرؤية إذن انفتاح الأفراد داخل هذه الجماعة/الأمة لكن دون السقوط في الذاتية المفرطة أو التمركز حول الذات

1 تعليق

  1. من منطلق هذا المفهوم ندرك أن الإنسان خلق وعنده الاستعداد لحب المجهول والتطلع إليه والأخذ بالاسباب والمعرفة والعمل بها وهذا التوازن الربانى لن يتحقق إلا بطبيعة خلقه التى أرادها الله عز وجل له طبيعة كينونة هذا الكائن الذي اختار له أن يكون خليفة له في الارض يتحمل امانه هذه الارض ويعمرها بقوانين خالقه الخالق لهذا الكون وهو جزء من خلقه فيه…
    ومن هذا المنطلق تاتى مسؤلية الانسان التي تقع على عاتقيه عندما يدرك شهاده ان لا اله الا الله هى مسؤلية فرديه وجماعية تحمل هم أمة كاملة تتعايش من مفهوم العبودية لله وهذه الرسالة التى تحمل بين طياتها ذلك التوازن بين مفهوم الوحى والإلهام  » الايمان القلبى  » وبين المعلوم والأخذ بالاسباب( العقل والإدراك المعرفى ) لتشق غبار الحياه فى اتزان هادئ بسيط دون تصادم مع طبيعة الكون من حوله

Répondre à Hayam إلغاء الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا