عندما يستيقظ المسلمون…(1/100)

1/100: الحالة الذهنية قبل حالة العالم
تحدثنا عن الحصيلة المحزنة التي يمكن أن نستنتجها من خلال رصدنا لأحداث التاريخ الحديث إلى حدٍّ ما، ورصدنا لحال المسلمين سواء في المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة أو في المجتمعات التي يعيشون فيها ك » أقليات ». مع ذلك، التحرّر الأول الذي نحن في حاجة إليه، و »الثورة » الأولى، بمعناها الحرفي، هي الثورة الفكرية التي تتجلّى في تغيير نظرتنا لثراتنا وتاريخنا وما قدمناه من إسهام للبشرية.

إن تاريخ الفكر الإسلامي، على المستويات الدينية والروحية والفلسفية والفنية والعلمية والتكنولوجية، هو أكثر غنى مما يوجد في المقررات الدراسية في الغرب أو في الحضارات الأخرى. ففي سياق الإسهامات الكبرى للأديان التوحيدية، وفي مفترق طرق الأعراف الهندية والصينية والإغريقية والرومانية، نجد أن الإسلام غَذَّى عقول نساء ورجال أسهموا في تطوير جميع مجالات الفكر الإنساني، وأغنوا جميع منظومات هذا الفكر. من الطب إلى علم النبات، ومن العلوم التطبيقية إلى الأدب والفلسفة، ومن الهندسة المعمارية إلى الفن التمثيلي والمجرد، ومن القانون إلى الأخلاق والتصوف. ففي كل مكان، ومن جميع الآفاق، لم يكن المسلمون رجالا ونساء فخورين بتراثهم الإسلامي فقط، بل كانوا واعين خصوصا بمسؤولياتهم التي تقتضى خدمة الإنسانية بعيدا عن الاختلاف في الألوان، والتاريخ، والأديان. هذا هو تاريخ الإسلام والمسلمين.

إنهم يتحدثون اليوم عن المجتمعات الإسلامية المتخلفة والفاسدة، وعن الأنظمة الديكتاتورية، وعن الرؤية السلبية جدا للإسلام والمسلمين. من واجبهم تغيير النظارات، وتغيير الحالة الذهنية، والنظر بالوعي والقلب إلى هؤلاء الذين لا يتحدثون عنهم، والذين يقوم الإعلام والكتب بإخفائهم. إنهم يُعَدُّون بالملايين، وعشرات الملايين من المجهولين، الذين يفرضون احترامهم بالتزامهم وكرامتهم. إنهم يدافعون عن الشعوب، ويقاومون الديكتاتوريات، ويخدمون الفقراء والمعوزين، ويدافعون عن قضية المساواة بين الرجال والنساء، ويقضون وقتهم في التربية والتعليم بشكل تطوعي، ويناضلون من أجل احترام الأحياء، ويدعون إلى وضع حَدٍّ للثقافة الاستهلاكية المُدَمِّرة، ويحاربون جميع أشكال العنصرية باسم الالتزام والنضال الكوني. إنهم يُعَدُّون بالملايين، بعيدا عن الأضواء والكاميرات، متشبعون بتعاليم الإسلام، ومستعدون للتضحية بوقتهم، والعطاء، وتعريض حياتهم للخطر. وهذا نراه كل يوم وفي كل مكان.

إن من شأن هذا التاريخ الذي نجهله وهؤلاء الرجال والنساء الذين نتجاهلهم، أن يوقظنا ويتيح لنا أن نعيش هذه الثورة الفكرية، لنستعيد نَفَسَنا ونَجِدَ المعنى ونَسير على الطريق. بهذا الشكل يجب أن ننظر إلى أنفسنا وتاريخنا… فمهما كان حالنا البادي للعيان، لا يجب أن ننسى أساس كرامتنا، في الماضي والحاضر، متجهين نحو المستقبل.

مثل هذا المهاجر المسكين والمتسول والمتخلّى عنه الذي نلتقيه في أزقتنا، والذي يمكن أن يقودنا إلى الاعتقاد أنه لم يبق له شيء، عندما يجب أن يذكرنا حتى وجوده أنه كانت له الكرامة ليقول لا، وليبحث من خلال منفاه عن حريته وكرامته وشرفه. إن حاله يُعَبِّرُ أكثر عن عدم اكثراتنا وعن فقدانه لشرفه في آن واحد، بالتأكيد. إذا وفقط إذا قمنا بتغيير حالتنا الذهنية، سنكون قادرين على تغيير العالم ووضعيته ووضعيتنا نحن كذلك.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا