الكونية

تخضع الشمس والرياح والجبال لنظام الكون، وتسبح بحمد الخالق تعالى؛ كل على طريقته، قال تعالى :  » وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ « . وقال تعالى : » وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ « . إذن من قلب هذا الكون، وانطلاقا من معنى وجوده، ومن التناغم الذي يميز نظامه، تنحدر هذه الشريعة بقيمها وغاياتها، وحدودها كذلك، إذن للشريعة جوهر وآداب وقيم كونية بطبيعة الحال.
إن الوحي الإلهي الذي تعرضه الآيات الكونية يعطي للإنسان كونية معناه، كما أن الله تعالى خالق الأكوان يأمرنا باحترام التنوع. إن الله تعالى المطلق والمتعالي على البشر، يذكرهم بحدودهم البشرية وبنسبية الأشياء. لقد شاء الخالق سبحانه وتعالى في رسالته الكونية أن نكون مختلفين، ورسم لنا منهاج السلام في التوازن، والعدالة في الانسجام. يتدافع الناس في اختلافهم ضد الاستمالة الدكتاتورية القمعية والمدمرة، قال تعالى :  » « وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْض. »
لو كانت هناك قوة واحدة، أو حضارة واحدة، تتحكم في العالم حصريا لفسدت الأرض واندثر العالم. إن الحكم المطلق يؤدي إلى هلاك الإنسان وانهيار العالم… ولذا تبقى هذه السلطة في غير متناول البشر، كما أنها تفوق القدرات البشرية، لأن القوة لا يمكن أن تستمر إلا بوجود القوى المضادة، ومقاومة القوى الأخرى الموجودة، والوعي بقدراتها المحدودة. هذه أول قيمة كونية تفرض علينا الوعي بنسبية الأمور، وهذه هي الرسالة الأساسية للإسلام الراسخة في قلب كل إنسان، والتي تدعونا جميعا إلى السير وفق منهاج كوني مع مراعاة منهاج الآخرين. قال تعالى :  » سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ « .
طارق رمضان
من كتاب أضواء على قضايا الإسلام والمسلمين- 2018

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا