إدغار موران : منذ بداية العولمة، كان يجب أن نكون واعين بجماعة يجمعها مصيرٌ واحدٌ، لأننا خاضعون جميعا للأخطار والمشاكل الأساسية نفسها، التي لا يمكن- بالمناسبة- إلاّ أن تَزْدَادَ خطورةً. ولهذا فنحن مُضطرون إلى التآخي، بينما للأسف، نظرا لظروف الأزمة، بدلا من اكتساب هذا الوعي المشترك، يلجأ الناس إلى خصوصيتهم الإثنية العرقية، سواء كانت وطنية أو شيئا آخر. النقطة الأخير التي أَوَدُّ الإشارة إليها، هي أننا نعلم أننا نخوض مغامرة هائلة تُعَدُّ جُزءًا من هذا الكون الذي لا نعلم أين يسير. إن المغامرة الإنسانية تبقى على الدوام غير قابلة للتصديق، فقد بدأت منذ ما قبل التاريخ، وتتابع فصولها مع الحضارات، لِتَصِلَ رُبَّمَا إلى ما نسميه « الإنسانية الانتقالية »(Transhumanisme)، بالتوجه إلى اكتساب قدرات جديدة، أو بالمقابل، إلى اسْتِبْدال مُكثّف للبشر بالآلات. نحن عالقون في هذه المغامرة غير المُؤكّدة والمحفوفة بالمخاطر، والتي تمتلك أحيانًا جوانبَ مرعبةً وأحيانًا ساميةً، ويجب أن نكون واعين أنّ كل واحد منا يُعَدُّ جُسَيمْاً من هذه المغامرة، كما أننا مرتبطون بهذا الكون، في الآن ذاته. إذاً هكذا أرى الإنسانية بشكل أوسع نطاقا وأكثر انفتاحا من إنسانية الأديان المنغلقة في مختلف أسياجها الدوغمائية، لكن مع إمكان وجود تقارب بين هذه الأديان وبين الإنسانية الكونية، خصوصا في المسيحية والإسلام. أضيف إلى ما سبق البوذية كذلك : ما الإسهام الهائل الذي نجده في تجربة الأمير شاكياموني، البوذا التاريخي، الذي يُدْعَى «اليَقِظ»؟ وهنا أُشير إلى أمرين: أولا، الصفة المؤقتة للأشياء أو عدم ثبات الأشياء، ويمكن أن نقول أن هذا الشّعور- المقصود به الجانب العابِر في حياتنا- نجده حاضرا في تيارات فكرية أخرى، لكنه أساسيّ في وَعْيِ بُوذا. بعد ذلك، تأتي الشفقة، ليس على المعاناة البشرية فقط، بل الشفقة على جميع أشكال المعاناة التي نواحهها في الحياة. أسْتحضر أخيرا عنصرا ثالثا : نحن مستقطبون بين السامسارا الذي يُقْصَدُ به عالم المظاهر العابر، والنيرڤانا التي لا يمكن أن نقول عنها شيئا، ولا نعلم إذا كانت تعني العدم أو المطلق. من جهة، نحن نعيش مع النفس والضمير، ومن جهة أخرى تختفي هذه النفس لتنصهر في العالم، فهنا نَجِدُ قُطْبَيْ الحياة الإنسانية : بين المُطلق والوهمي. ولهذا أُدْمِجُ البوذية كدين إنساني للغاية رغم أنه بدأ يُظْهِرُ القليلَ من التّزَمُت في السياق الحالي. أنا أؤيد أيضاً احترام الأديان الأكثر قدما وبَدائية ومراعاة بُعْدها المقدس. فعندما أتذكر فترة الغَزْو في أمريكا، عندما قام المستعمرون بتدنيس بعض المناطق المقدسة للهنود، الذي كانوا يحتفلون هناك بعبادة الأسلاف، أحس بهذا الهجوم كأنه إهانة شخصية؛ وأشعر فِعْلاً بالرُّعب عندما نهاجم مقدسات الآخرين أو عندما نقوم بإهانتهم، أو نجعلهم يعانون في أغلى ما يملكون. ومن واجب اللاّديني كذلك أن يحترم الأديان ومُقدسات الآخرين.
طارق رمضان : أجد ملاحظتكم الأخيرة مهمة، لأنها تتعلق هنا بطريقة مُغايرة للتعبير عن الروحي والديني. عندما تقولون أنكم لستم قادرين على التمييز بين الإسهام الإيجابي والإسهام السلبي لدين ما، فنحن متفقون، وبجب أن تكون لدينا نظرة عامة وشمولية، لكن ما أجده أكثر أهمية هو الطريقة التي نلتزم بها في الشأنين الديني والروحي. إن الطريقة التي عَرَّفْتُمْ بها الإنسانية دون دين تقتضي أن نأخذ فقط ما يمكن أن يقوم به الإنسان من أعمال إيجابية، سواء في وجود الله أو في غيابه، بالمناسبة. إذاً في هذا الصدد، لا يمكن لإنسانية بشريتنا أن تنشأ إلاّ من جميع أشكال الإنسانية التي وُلِدَت من تَنوُّع الفلسفات والروحانيات والأديان. وإلا فأنا لا أرى من أين يمكن أن تأتي هذه الإنسانية التي تُفَضِّلُونَهَا على الأديان. إنها لا تولد من العدم، فهي نِتَاجُ مُعتقدات البشر الذين يحتفلون بطريقتهم الخاصة، بالجانب السّامي والنبيل الذي نجده في الإنسان، انطلاقا من مرجعيتهم وقيمهم. إن الإنسانية، في جوهرها، هي وجهة للعديد من المسارات. تتحدثون عن إنسانية الروحانيات القديمة والبوذية، وأنا أشاطركم الرأي. هناك مذهب الإنسانية اليهودية، والإنسانية المسيحية والإسلامية كذلك؛ هذه المذاهب الإنسانية لا يجب أن نُقَلِّلَ من شأنها، بل يجب إدماجها حتما بطريقة لا تكون هامشية أو فولكلورية بالمرة.
Edgard Morin, Tariq Ramadan, « L’urgence et l’essentiel », 2017.
0
People reached
129
Engagements
Boost Post
118
1 comment
10 shares
Like
Comment
Share