فلسطين: مهزلة السلطة

استقيلوا قبل أن ينغلق الفخ على الشعب الفلسطيني

 


لا أحد مغلّط في الحقيقة. لقد ظلت القضية الفلسطينية مند عقود وعلى توالي العديد من الحكومات موضوع  ألاعيب سياسوية و استراتجيات  دبلوماسية تستهدف تدبير الرمزية على حساب إرادة حقيقية تسعى إلى السلام. و لقد استمهلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على غرار مثيلاتها في الغرب أو في العالم العربي مجرى الأحداث،  و سوّفت واستأجلت و تلاعبت و استلونت  الأكاذيب،  بينما كانت حالة الشعب الفلسطيني تتدهوريوما بعد يوم.


ظلّت دار لقمان على حالها و كأنّ الحملات الإعلامية المتضخمة  بكلمات رنّانة ك « مسلسل/مخطط »، « اتفاقيات »، « سلام » « حل » و المشحونة بشعارات ك  « خارطة الطريق »  ل  » إشارك الطرفين » أو « الشركاء في المنطقة » أو « اللجنة الرباعية « ،  إنّما عملت على ربح الوقت أو بعض النقط  في حقل المعركة الإعلامية الذي أصبح و حده سيد الموقف.


و جدير بالملاحظة انتصار المعسكر الإسرائيلي الذي لا مثيل له على هذا المستوى و التفوق الذي تضاعف بنجاحات سياسية لا يحكم سبك مثيلاتها إلاّ أخطر و أقوم العسكريين و الدبلوماسيين حنكة.


انطلاقا من اتفاقيات أسلو و مرورا بمحادثات برشلونة إلى غاية خارطة الطريق، التي كان من المفروض أن تمنح دولة للفلسطنيين في 2005، لا يسع المتتبع اليقظ  إلاّ أن يلاحظ أنّ « مسلسل السلام » يخفي مسلسلا آخر منذ 15 سنة، استهدف بالآساس استبقاء و عود واهية في حق الفلسطنيين و محق و حدتهم و سحق قدرتهم على المقاومة.


خمسة عشرة (15) سنة  بعد ذلك أصبح الوضع أعوص مما كان عليه و لم تتنازل إسرائيل عن حبة خرذل من نفوذها، كما لم تعبأ بأي من المقرارات الرئيسية لهيئة الأمم المتحدة.


هذا و قد عمل أصحاب الحل و العقد على اخضاع عرفات و اعترافه بإسرائيل، واعتماده « مسلسل سلام » لا نهاية له، بينما كانت الحكومة الإسرائلية تصفّي جسديا الواحد بعد الآخر معاونيه الأقربين المعيقين لهذه الخطة. و في كل مرحلة تفنّن المفاوضون الإسرائيليون في ربح الوقت.


 


 


تسارعت و ثيرة هذه  الاستراتجية و تضخم و قعها هذه الأيام : لم يكلّف السلطة الإسرائلية الانسحاب من غزة شيئا (بل العكس هو الصحيح )، لأنّه لم يكن إلاّ مجرد مناورة للمزيد من ربح الوقت، كما صرّح بذلك رئيس ديوان شارون.


لقد تضخمت سياسة استيطان المستعمرات واتسعت في ضواحي القدس بشكل استراتيجي، … بعيدا عن الكاميرات. و سيصبح القدس في نهاية المطاف « مستعمرا » تقريبا كليا … بعيدا عن الكاميرات.


 أمّا جدار الميز العنصري المسمى الجدار الأمني، فمازال يقام شامخا،  يغوص أعماق الأراضي الفلسطينية و يعزلها بشكل يتنافى مع مقتضيات الإتفاقيات ومقررات هيئة الأمم المتحدة، التي سبق قبولها، و يجعل من المستحيل إقامة دولة فلسطينية أو حتى بقاءها … بعيدا عن الكميرات. تحت أسس بناية المسجد الأقصى تتواصل الأشغال بكثافة، رويدا رويدا و لو أن ثبات البنيان أصبح في خطر … بعيدا عن الكاميرات.


من جانب تل أبيب، لم يعد هنالك « مخطط سلام »، لكن مواصلة نفس السياسة « باستخفاء » و « رصانة » و « مراوغة » و « ثباث » لخنق العدو، و تحقيره و إهانته والقضاء على أقل متطلباته بل و القضاء عليه  هو ذاته. بعيدا عن الكاميرات دائما، دون إغفال سياسة في المنطقة من صنيع عبقرية سياسية خارقة للعادة.


أصبحت كل البلدان المجاورة عرضة  لعدم استقرار متزايد : من العراق إلى إيران و مرورا بسوريا و لبنان، حيث تواجد السلطة الإسرائيلية  إمّا عن قرب أو عن بعد و تأثيرها في تطور الوضع بتقمصها أحيانا لدور الملاحظ فقط (الذي لا يعنيه الأمر، أو مستشار صديق للأمريكيين و الأوربيين ) أو سحبها لأوراقها من اللعبة.


و إنّنا على علم بتواجد مستشارين عسكريين اسرائلين في العراق يسهرون على مصلحتهم بمحايدة لبنان (و سوريا بالطبع ) و إبطال تعاملهما مع مقاومة حزب الله. لم تخف الحكومة  الإسرائيلية قط أملها في الحد من قدرة العمل السياسي أو النووي لإيران. و في الوقت الذي نكتب فيه هذه السطور، تظهرهذه السياسة فعاليتها بجلاء. فواشنظن تتبع و أوروبا تصمت و الفلسطينيون يستوفون قطرة قطرة.


ثم هاهي الإنتخابات الحرة الأولى والشفافة والديمقراطية، في وقت لا يقبل فيه العالم العربي برمته مكتسبا من هذا القبيل و لربّما لن يقبله لعشرات السنين.  فإذا به يصبح ممكنا في الأراضي الفلسطينية المحتلة. هذه هي المعجزة ! بل المهزلة.


 


 منذ أعوام و شهور لم تنفك السلطة الإسرائيلية من تفريغ « السلطة الفلسطينية » من معنى « السلطة »، بالتحكم في الحدود عبر العديد من نقط المراقبة و ما تنطوي عليه من إهانات للعابرين وإذلالهم و استصغارهم، و حصر للتحويلات المالية و مداهمات هوجاء داخل الأراضي المحتلة و قصف مستمرومدمّر، الخ…  في ذات الوقت كان العالم يركّز اهتمامه على الرشوة الدنيئة التي تخلّلت منظمة فتح، دون أن ينتبه إلى أنّ السلطة الفلسطينية ليس لها من السلطة إلاّ الإسم.


 مناورة شفوية محضة مرّة أخرى تلعب فيها الرمزية الدور الأساسي الرامي إلى التغليط بشأن الواقع.


أمّا العبقرية السياسية فبلغت شأوها في طمس الحقيقة خلال المرحلة الثالثة. بعدما أوقفت المفاوضات مع عرفات و تجاهلت محمود عباس و أضرمت النار في حياة الفلسطينيين اليومية، عمدت إلى تركيز الإهتمام و توجيه الكاميرات صوب الإنتخابات « الديمقراطية كليا »  في أراضي لم تعد محتلة كما كانت من ذي قبل. وباندهاش الجميع حسب ما قيل و على رأسهم المعنيون أنفسهم، طاب لحماس التوصل إلى تدبير « سلطة « ،  لا تقبض في الواقع على زمام الأمورفي شيء.


على الصعيد الدولي، لم تحط الحرب أوزارها في حقل الرمزية اعتبارا لما آلت إليه نتائج الإنتخابات الديمقراطية : « انتصار الأسوء »، و « الإسلاميين » و « الإرهابيين » و « أعداء الديمقراطية وإسرائيل » من المستحيل الإعتراف بهم كمخاطبين فما أحراك دعمهم.


 ربحت حماس الإنتخابات على أرض الواقع و في أراضيها الصغيرة المحتلة، بينما كانت الحكومة الإسرائلية تستلذ استحصال تأويلاتهم و تدبيرهم على المستوى الدولي.


لقد انقلبت الآية في الحقيقة: تملّكت حماس رمزية السلطة بيد أنّ إسرائيل أصبحت تسود على خشبة المسرح و تنثر خيوط اللعبة حسب هواها.


لقد قرّرت كل من الولايات المتحدة الأمريكية و أوروبا إيقاف الدعم « للسلطة الفلسطينية » و استبذال القضية السياسية الفلسطينية بقضية « إنسانية » من الآن فصاعدا. هذا انزلاق خطيرللغاية… بل مكتسب رائع، رمزي وواقعي  لفائدة الحكومة الإسرائلية.


 


أمّا الحكومات العربية فمن خمول إلى نفاق، تنتابها من حين لآخر، بل ناذرا، بسبب ضعفها، نفس الحمى المتأجّجة بالتهريج و الكلام الفارغ و المراوغات التي طالتها منذ عقود جرّاء استعصاء شفاءها.


لقد بلغ السيل الزبى بالقضية الفلسطينية : فالمؤسسات و المنظمات غير الحكومية والنساء و الرجال الذين واكبوها منذ  سنين عديدة من أعماقهم و يستغضبهم الحيف الذي أصاب الشعب الفلسطيني، هم أنفسهم في أزمة عارمة لا يلوون على مخرج منها، تتقاذفهم ضغوط من كل حذب و صوب لم يسبق لها نظير لذيهم.


و أمّا التساؤلات فتتقاطرعلى أشدها و تضيق عليهم الأرض بما رحبت : لمن ينتصرون؟  كيف يميّزون بين الشعب الفلسطيني و « سلطته » الإسلامية المنتخبة ديمقراطيا؟  ما الغاية من نضالهم؟ مع من و كيف، بما أن الشعب الفلسطيني بأتم سيادته أجرى اختياره بحرية؟


في فلسطين المحتلة، و في العالم العربي كما في الغرب، مازال الوضع متأزما و ما فتئت إسرائيل تواصل سياسة الخطى الصغيرة المستخفية لفرض الأمر الواقع. وموازاة لذلك تظل الأموال مجمّدة أو محجوزة و الموظّفون لا يتقاضون أجورهم، و البطالة تضرب أطنابها و الاختناق يعم اليابس و الأخضر.


  و لا غرابة أن يصبح المجتمع الفلسطيني على شفا الإنفجار الداخلي، فيحلو للحكومة الإسرائلية منقلب العاقبة من حل سياسي إلزامي ( يحترم حقوق الفلسطينين الشرعية ) الى عمل إنساني مستعجل ( يهدف الى مد يد المساعدة لساكنة فلسطينية عرضة للضياع ) فتعود الكامرات من جديد بدون مخاطر.


لا بد من وضع حد لهذه المهزلة، و الوقت لا يرحم السلطة الفلسطينية التي عليها أن تستقيل في أقرب الآجال. لقد أضحى عاجلا أن توقف بصيغة جماعية هذه الأخيرة الصلاحيات الموكولة إليها، و أن تلزم إثر مغادرتها  الرئيس محمود عباس و الحكومات الغربية التي تقر بدعمها له على تحمّل مسؤولياتها.


إن للشعب الفلسطيني حقوقا ينبغي احترامها و التصدي بصراحة و كرامة للتهافت بالكلمات و اللعب بها، حتى لا يعدو « المسلسل الديموقراطي » أن يكون في الأراضي المحتلة مجرد وسيلة لاستراتجية شاملة غايتها تفريغ القضية الفلسطينية من قوامها السياسي. و لا شك أن الكلمتين الأساسيتين اليوم هما « محاربة الإرهابيين » و « الدعم الانساني ». فالسخافة تامّة : لا سلطة و لا حقوق و لا مقرارات … و لم تبق إلا شفقة دولية تدوي في ساحة خالية من إرادة سياسية ملتزمة.


 


قبل أن تنطوي الصحف و ينغلق فخ هذه المأساة الساخرة على الشعب الفلسطيني فيزيده تفرقة و اختناقا على مرأى و مسمع من الجميع، ينبغي لزوما التخلي عن هذا الإخراج المسرحي الذي هو مهزلة « السلطة » ووضع المجتمع الدولي والسلطات العربية أمام مسؤولياتها و عميانها و خذلانها، تبوأً لمقام الكرامة.


إنّ الإعتراف بحقوق الفلسطينين ( و من بينها الحقوق الأساسية للعيش أحرارا في أتم الإستقلالية و الكرامة ) هو الشرط الذي لا محيد عنه للسلام . فكل المناورات الرمزية و الإنتصارات الإستراتجية الصغيرة لن تبذّل من الوضع شيئا.


على أصواتنا من كل أرجاء المعمور أن تذكّر بهذه الحقيقة البديهية، أنّنا إن تغاضينا عن كل أنواع العنف لن نستسلم لأي صمت مفروض أو عميل.


و أجدر بالسلطة الفلسطينية الحالية التخلي حالا عن مهامها و حري بالمجتمع الدولي تعبئة طاقاته بدون هوادة للضغط بكل قوّاه على إسرائيل و تذكيرها بالتزاماتها السياسية و مقتضيات المقرارات الدولية.  


في دواوين تل أبيب المنمّقة تتخذ القرارات السياسية يوميا و تجري مجراها للتطبيق – بعيدا عن الكاميرات – فتحول دون أي أمل في السلام.


نحن المجتمع الدولي و المواطنون الأحرار في العالم بصمتنا سنكون غدا مسؤولين عن ظلم بيّن وحيف جائر و سيكون لنا نصيبنا من العنف الذي سيتفجرعمّا قريب.


ستكون وصمة عار علينا فيما إذا أقررنا  وردّدنا أن الشعب الفلسطيني يخطئ الطريق وأنّه لم يصب في اختيار ممثليه، بينما استحال عليه إطلاقا ولو تخيّل وجود أي طريق و لا أي ظل للاختيار.


 

1 تعليق

  1. tariq, i want the translation in english! je ne comprends pas
    good response to them for their false accusations of double-talk ( as am sure this will be my smile at the end of reading the text, if i could understand it…, lol
    but i cn’t read arabic either. u forget me? 😉
    Assalamoalikum
    Mohammad,
    Mauritian.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا