واجب الدول الإسلامية في تعزيز العدالة الاجتماعية- حوار صحفي

واجب الدول الإسلامية في تعزيز العدالة الاجتماعية*

حوار صحفي مع طارق رمضان

بندر سري بكاوان

التقت صحيفة بروناي تايمز الأسبوع الماضي بالفيلسوف والأكاديمي، السويسري المولد، طارق رمضان، الذي يعد واحداً من أبرز المفكرين الإسلاميين في عالمنا المعاصر. وقد ولد طارق رمضان لأبوين مصريين في جينيف، وهو حفيد الشيخ حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين. وأبوه سعيد رمضان كان عضواً بارزاً في جماعة الإخوان، إلى أن تم نفيه إلى سويسرا في الستينيات. ويصف طارق رمضان نفسه بأنه « إصلاحي »، وقد اهتم بالدراسات الإسلامية ودعا إلى التجديد في تفسير النصوص الإسلامية، وإلى المصالحة وحوار الأديان بين المسلمين والغرب. ويعمل حالياً أستاذا للدراسات الإسلامية المعاصرة بجامعة أكسفورد، وأستاذا زائرا في مركز السلطان عمر علي سيف الدين للدراسات الإسلامية بجامعة بروناي دار السلام، ومديرا لمركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق في قطر.

وإلى نص الحوار؛

س: أعلنت بروناي مؤخراً عن تطبيق قانون جنائي جديد يستند إلى الشريعة الإسلامية، وقد لاقى هذا ردود أفعال سلبية خاصة في الأوساط الإعلامية الغربية. ما السبب من وجهة نظركم في هذه النظرة الغربية السلبية للشريعة الإسلامية خاصة في ظل غياب فهم واضح على ما يبدو لحقيقة الشريعة؟

ج: السبب في ذلك ما حدث خلال السنوات القليلة الماضية، وما وقع باسم الشريعة في العديد من البلدان الإسلامية. لذا ساد تصور بأن الشريعة الإسلامية هي قانون العقوبات فقط. وأنها لا تبالي بالعدل والإنصاف ولا العدالة الاجتماعية ولا التعليم، وإنما تهتم فقط بالعقوبات. وبالنظر لما حدث في بعض البلدان ذات الأغلبية المسلمة التي تطبق نظام العقوبة البدنية كالرجم مثلاً، حينها يتصور البعض أن الشريعة هي العقاب البدني.

وبالتالي فإن بروناي بصدد تطبيق شيء يُختزل في نظر الغرب في صورة قانون عقوبات صارم قاسٍ. وحين تأتي بروناي لتستخدم مصطلح الشريعة، فهذا من شأنه أن يثير جدلاً كبيراً في كل مكان، فهذا هو التصور السائد. انظر مثلاً إلى ما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية، هناك 22 ولاية لديها مشروع قانون رافض للشريعة الإسلامية يقول صراحة نحن لا نريد تطبيق الشريعة، والشريعة في نظرهم هي التفرقة والتمييز والعقوبات القاسية.

ولذا يتحتم علينا أن نوضح معنى الشريعة، فليست مجرد قانون؛ وإنما طريقة في فهم الحياة، الحياة والموت. وهي مبنية على العدل والتربية والتعليم. هذه هي الشريعة. الشريعة احترام كرامة الناس، وسلامة الأشخاص واحترام الأديان، والشريعة احترام التعددية، كل هذا يدخل ضمن الشريعة. أما قانون العقوبات فهو جزء يحتاج إلى شروط محددة صارمة حتى يتم تطبيقه. ومكمن المشكلة أن نستخدم المصطلح بدون شرحه وتوضيح المقصود به، فحينئذ نغذي التصور السلبي نحوه. وهذا رد فعل سطحي جدا، ليس سطحياً، بل عاطفيا تجاه ما نفهمه. لذا نحتاج إلى فهم أفضل لحقيقة الشريعة، ونشر هذه الحقيقة حول العالم.

س: هناك العديد من الأقليات الدينية في بروناي – ما بين بوذيين ومسيحيين وغيرهم. في ظل تطبيق الشريعة، كيف يمكن حماية حقوق تلك الأقليات؟ لأنه في ظل بعض النصوص والأحكام القانونية، تبقى هناك حالات استثنائية يتعرض فيها غير المسلمين للاضطهاد في ظل حكم الشريعة؛ كما في مسألة الزنا مثلاً مع شخص مسلم؟

ج: حسنا، هذا هو جوهر الأمر. وحقيقة لم يسبق لي الإطلاع على مشروع القانون بالكامل، لذا لا أدري كيف سيجري تطبيقه. لكن لو كانت هذه هي الإشارة الوحيدة للشريعة دون أن نعلم كل هذه الأمور، فهذا أمر يدعو للقلق لأن لديك على الأقل نسبة 30% من المواطنين لا يدينون بالإسلام، لذا من حقهم أن يعرفوا كيف يحمي القانون حقوقهم. ولا أدري إذا كان القانون يوضح هذه المسألة أم لا، فأنا لم أقرأه، لكن في تصوري أن هذه مجرد بداية. وقد سبق أن أطلقت دعوة قبل عشر سنوات إلى تعليق العمل بثلاث عقوبات هي الرجم والإعدام والعقوبة البدنية. وقلت للبلدان ذات الأغلبية المسلمة أنه يتعين علينا أن نبدأ أولاً بما تقدمه الشريعة وتضعه على رأس أولوياتها، ذلك هو العدالة الاجتماعية والتعليم للجميع وحماية المواطنين بغض النظر عن دينهم.

هذا هو ما يتعين علينا أن نهتم به في المقام الأول. والآن إذا جئنا إلى مشروع القانون الذي نتحدث عنه، فلا بد أن نكون واضحين جدا في تحديد المقصود، فإذا كان هناك أمر غير واضح، فلا تتوقع أن يتلقى الناس هذا الأمر بشكل إيجابي خاصة إذا لم تكن لديهم أي فكرة عن الكيفية التي يحميهم بها القانون.

س: بعيداً عن مسألة اعتزام بروناي تطبيق الشريعة في قانون العقوبات، يرى بعض المراقبين أن هناك موجة متنامية للنزعة المحافظة الإسلامية في جنوب شرق آسيا، خاصة في ظل قرار المحكمة الماليزية الأخير حظر استخدام لفظ الجلالة « الله » في بعض المنشورات المسيحية. ما رأيك في هذا الأمر؟

ج: أظن أنه ينبغي علينا أن نتحاشى أي نوع من ردود الأفعال العاطفية المصاحبة للخطاب الديني، الذي يكون بدوره رد فعل على ما يأتينا من البلدان الأخرى، من الغرب. وفي بلدي الذي ولدت فيه، مصر، يستخدم المسلمون والنصارى لفظ الجلالة منذ قرون، وليس في هذا الأمر أي إشكال. ولا أدري لم الإصرار على إثارة البلبلة والجدل في قضية كهذه. هذا صراع على اللفظ، وبهذا الصراع نغذي مشاعر تتسم بالعاطفية المفرطة.

س: في رأيك، ما السبب في إثارة هذه القضية الآن؟

ج: لأن العملية صارت أشبه بالمنافسة بين الاتجاهات المختلفة، علاوة على أن الدين أساس مرجعيتنا كمسلمين. وأنصح كل الأطراف الفاعلة على الساحة السياسية وفي المجتمع المدني أن يتحلوا بفهم عميق للدين، وأن يتجنبوا استغلال حب الناس للدين وعاطفتهم الجياشة نحوه لأن هذا الأمر يثير القلاقل والفتن. لا بد من فهم عميق، علاوة على توضيح الأمور للعامة.

والإشكال الوحيد عندي في إعلان كهذا (فيما يتعلق بتطبيق قانون جنائي قائم على الشريعة)، وأدرك تماماً أنه نابع من الاعتقاد والإيمان، أفهم هذا الدافع، لكن الإشكال في أنه لا بد من أن نمهد الطريق أولاً، لا بد أن تشرح للناس، وتوضح لهم مقصودك. وأظن أن هذا يحدث الآن، سوف يكون لديهم عام كامل ليشرحوا الأمر للناس وأتمنى أن يتم ذلك بشكل يتسم بالحكمة ويحقق غايته من تبصير الناس بالأمور.

وما أراه في المنطقة أن مرجعيتنا الإسلامية هي عاطفية أكثر منها روحانية، تفتقر إلى فهم مناسب لمبادئ الإسلام والخطوات التي يتعين الالتزام بها واحترامها. لا يمكن أن تغير الناس في يوم وليلة، بين عشية وضحاها، ولا يمكن أن نحول الدين إلى مجرد أداة نستغلها لنظهر للناس أننا أكثر تمسكاً بالدين فقط لأننا أكثر صرامة وقسوة. فالإسلام ليس القسوة والصرامة، وإنما الرحمة والعدل. والإسلام يدعو إلى إرساء العدالة واحترام الكرامة، ولسنا هنا فقط لنعاقب الناس، وإنما دورنا أن نربيهم ونعلمهم.

 

 

 

س: كيف نغرس هذه المبادئ في الجيل الحالي من شباب المسلمين؟

ج: هذا هو ما نحاوله ونسعى إليه من خلال وجودنا هنا وفي الغرب أو في البلدان ذات الأغلبية المسلمة. فالأمر يتعلق بالتربية والتعليم، وتجنب الفهم السطحي للدين، وتعميق فهمنا للمبادئ، وأن نفهم كيف ننفتح على العالم مع الالتزام في الوقت ذاته بمبادئنا. إن الأجيال الناشئة ينبغي أن تدرك أن المرء لا يكون مسلماً بتقليد أبويه فقط، فلا يمكن أن تبقى مسلماً مقلداً، وإنما تحتاج إلى الفهم حتى تكون مسلما حقيقياً. وعلينا أن ننشر العلم والمعرفة، وننشر الروحانية ومعناها التصالح مع النفس والصفاء النفسي. وكذلك في سياق الأفكار الجديدة والثقافة العالمية، ينبغي أن نتحلى بنظرة متفحصة ناقدة وننتقي ما يناسبنا. وأقول لكل الطلاب، بل وكل الناس، لا تملوا من طرح الأسئلة، ولا تخشوا من التفكير النقدي. لكن التفكير النقدي ليس معناه أن نرفض كل ما هو ديني، بل هو محاولة لفهم الأمور على نحو أفضل. وأظن أن هذا هو ما نفتقده في وقتنا الحالي.

دائما ما نتخذ موقف الدفاع، ونحاول أن نحمي أنفسنا ونظن أنه بالقانون والعقوبات الصارمة، سنتمكن من هذا، ولست أحبذّ ذلك؛ بل أرى الاهتمام بالتربية والتعليم وأن نتمهل في هذا الصدد ونمنح أنفسنا الوقت الكافي. إننا بحاجة ماسة إلى احترام المبادئ القائم على الفهم السليم والتربية الصحيحة والتفكير النقدي؛ قليل من العاطفة، كثير من الحكمة.

ــــــــــــــــــــــــــــ

*http://bit.ly/17xaC0n 

 

3 تعليقات

  1. Bonsoir
    Je ne sais pas s il y a une faute de traduction, je croyais que Mr. Ramadan était né a Genève et non pas en Egypte. A vérifier ? .
    , PS: A ne pas Publier cette note SVP
    Merci
    Salam

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا