العلاقة بين الدول ذات الأغلبية المسلمة والغرب علاقة حاسمة، وتتضمن عددًا من القضايا المصيرية. فهناك تعقيد واضح في العلاقات الأيدولوجية والسياسية، وقبلهما، ظاهرة الإنجذاب والتنافر الملاحَظة بين السياسيين والمثقين، وبين المواطنين العاديين. ولذا، فنحن بحاجة أكيدة لشيء من التجديد لهذه العلاقة.
قد تم هيكلة ثنائية « الغرب في مقابل الإسلام » تاريخيًّا وأيدولوجيًّا من خلال عمليات الشحن والتعقيد من الجانبين. وإلى يومنا هذا، هذه العمليات تشكّل تصورات الشرق والغرب على جانبي المعادلة الإنقسامية بينهما. فلا يمكن مع هذا التعقيد وجود بديل عن الصراحة في هذه العلاقة: إنّ السمة الثابتة ضمنًا أو صراحة في العلاقة بين الغرب والإسلام هي اختلال توازن القوى، أو كما يلاحظ المفكر الماليزي شاندرا مظفر بشكل صحيح: القوة الغاشمة. إذن، لا بديل عن مواجهة سؤال العدالة والسلام بين الحضارات والأيديولوجيات، من السلطة والقوة، وبشكلٍ مباشر. إذا لم يُثبِت التطور الذي حدث مؤخرًا في الشرق الأوسط أي شيء آخر سوى ذلك، فهذا القدر قد جعل الأمر يبدو جليًّا. إنّ الولايات المتحدة وأوروبا وحكوماتهما ومثقفيهما، مستمرون في رؤية العالم العربي والمجتمعات ذات الأغلبية المسلمة على أنّها مستعمرات سابقة، على أنّها دول مثقلة بالديون تاريخيًا، وأنّها يجب أن تبقى في حالة من التبعية الأيديولوجية والاقتصادية من أجل حماية المصالح الحيوية للشمال.
نعم، من الجيد الحديث عن عالم متعدد الأقطاب، وعن تعددية الحضارات والثقافات والديانات، والاحتفال بالمساواة والسلام، ولكن يجب الاعتراف بأنّ شروط العلاقة بين هذه التعدديات غير متساوية بقدر ما هي غير عادلة -ليس فقط اقتصاديا، ولكن أيضا فكريا ورمزيا- وأنها حافظت على الجنوب العالمي والشرق الإسلامي في حالة من التبعية والهيمنة. وللأسف، لا شيء في الانتفاضات الأخيرة ونتائجها التي نشهدها اليوم، يبدو أنّه يسعى لتحدي هذا الواقع بأي طريقة مجدية. وجود الولايات المتحدة وأوروبا يلقي بظلاله على النقاش حول القضايا السياسية والاقتصادية، التي ستحدد مستقبل كل بلد في العالم العربي وفي المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة، سواء أكانت ديكتاتوريات أو لم تكن. هذه القضايا، بدءًا من دور الدولة والجيش أو المؤسسات الدُوَلية مثل « البنك الدولي » و »صندوق النقد الدولي »، تعيدنا بشكل أو بآخر إلى طبيعة العلاقة مع الغرب، إلى سؤال الاستقلال وكيف يمكن لثروات الأمم أن تدار.
الرهانات عالية وكثيرة على الدول الغربية -والتي هي نفسها الدول التي تقوم بتحديد الأولويات الإيديولوجية، وتسيطر على الموارد المعدنية والسياسات الاقتصادية في الشرق- للسماح لديمقراطيات حقيقية مستقلة أن تظهر. فتحدّي القوى الغربية لن يكون سهلاً، ولن يتم بسعادة وسعة صدر منهم. الأمر الذي قد يجلب الغرب إلى مراجعة علاقاتها مع العالم العربي والدول ذات الأغلبية المسلمة هو، أولًا وقبل كل شيء، حدوث تحول في مركز ثقل النظام الاقتصادي العالمي. قبل هذا، فسوف يمر الوقت بلا طائل. وإذا حكمنا من خلال ما تكشّف عن الانتفاضات العربية من عدم الاستقرار في كل مكان (من سوريا إلى مصر بعد الانقلاب، وإلى تونس مع الإعلان عن انتخابات رئاسية جديدة)، فنستطيع القول بأنّ ذلك اليوم بعيد عن واقعنا. مع ذلك، فليس هناك من بدائل. يجب تغيير العلاقات، وتغييرها هذا سيأتي على المدى المتوسط أو الطويل. فوصول العديد من القوى السياسية والاقتصادية الجديدة إلى الساحة يجعل التجديد أمر لا مفر منه، ليس فقط بسبب المصالح المختلفة، ولكن أيضًا بسبب طبيعة هذه القوى.
العلاقات بين الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا أو تركيا مع العالم العربي ومع الإسلام مختلفة تمامًا عن تلك التي في الغرب. وهذا لا يعني أنّ هذه العلاقات منتظمة بشكل جيد، كما يتبين من أمثلة مثل قمع اليوغور في اقليم شينجيانغ في الصين في عام 2009، والصراع في الشيشان (وكذلك المشاكل الداخلية الجارية)، إلى جانب السياسات القمعيّة القاسية التي تتبعها روسيا منذ عقود طويلة، أو مذبحة المسلمين في ولاية غوجارات بالهند، من قِبَل القوميين الهندوس في عام 2002. لا مجال لوجود علاقات مثاليّة على أية حال: فهناك العديد من القوى الناشئة ليست ديمقراطية على الإطلاق (كنموذج الصين)، في حين أنّ نماذج أخرى تعاني من العجز الديمقراطي الشديد (كما في مثال الهند وروسيا) مما أدى إلى كثير من السياسات الداخلية القمعية والتمييزية التي يكون ضحاياها في الكثير من الأحيان، لا الحصر، من المسلمين.
مع ذلك، نرى أنّ هناك القليل من تأثير هام على الطريقة التي تتعامل بها هذه البلدان مع قضايا الشرق الأوسط. وعليه، فالحاجة إلى زيادة التركيز على العلاقات مع الإسلام في الشرق والشرق الأقصى في العقود المقبلة سيكون له تأثير كبير على علاقة الإسلام مع الغرب. ولا يمكن التغاضي عن اهتمام اليابان العميق مؤخرًا بالإسلام وقضايا الشرق. كل هذه الحقائق تبرز ليراها الجميع: أولها هو أنّ المنظور الأوروبي-الأمريكي لم يعد المنظور الصالح الوحيد. المثقفون ووسائل الإعلام في الصين والهند وروسيا واليابان (وفي نصف الكرة الغربي وأمريكا اللاتينية) يفهمون أنّ الشرق الأوسط، وشعوره بذاته وتطلعاته يختلف تمامًا عن الغرب. وإنّ سحبًا من الاضطرابات والثورات تتجمّع في الأُفُق.
أحسنت د. طارق .. المقال تحليلى واقعى بإمتياز ويلح على إنتهاز الفرصة التاريخية القائمة لإحداث التغيير الحقيقى ..فقلما تتأتى فرصة كما هو حادث الآن .. الجميع فى إنتظار لمن يقودهم ليضعوا أقدامهم على أول الطريق الطويل .