عيد الأضحى في خضم التناقضات*
كثيراً ما يتناقض المسلمون مع القيم الأخلاقية للاحتفال. ويجدر بنا ونحن نحتفل بواحدة من أهم المناسبات الإسلامية أن نتأمل في مدى فهمنا للإسلام وفي سلوكياتنا الجماعية. وهنا يأتي المنهج المتبع في الذبح ليكشف عن اختزال رسالة الإسلام، إن لم يكن مخالفتها تماماً، ويكشف مدى التخبط والخلط بين الوسائل والغايات. وقد سعت المجامع الفقهية المنتشرة حول العالم لتحديد طريقة الذبح الحلال من الناحية الشرعية، لكن التركيز انصب في الغالب الأعم على الوسائل التقنية للذبح.
وتمثلت القضية الأساسية في هذا الصدد في تحديد الظروف والحالات والأدوات التي يتم بها ذبح الحيوان بطريقة شرعية صحيحة. وإلى جانب الحديث عن مشروعية طعام أهل الكتاب ولحومهم، تركّز النقاش واحتدم الخلاف حول تفصيلات فنية محددة مثل: هل يجوز صعق الحيوان؟ وكيف يمكن تحديد بقاء الحيوان على قيد الحياة بعد الصعق؟ وهل يتعين النطق بالتسمية عند الذبح أو يكفي وجود شريط مسجّل؟ وهل يشترط الإسلام في الشخص الذي يقوم على عملية الذبح؟ وهي قطعاً قضايا مهمة، لكن لا ينبغي لها أن تطغى تماماً على الضروريات والمقاصد المتعلقة بالذبح والاستهلاك.
إنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالالتزام بشعائر الذبح وذِكر اسم الله تعالى حتى يصبح اللحم حلالاً، لكن الهدي النبوي لم يقف عند هذا الحد، بل أمرنا أن نحسن الذبح ونحترم حق الحيوان وأن نجنبه الألم الذي لا حاجة إليه؛ فقد ورد أن رجلاً أضجع شاة وهو يحد شفرته فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتريد أن تميتها موتتين، هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها! وقد حضّ النبي صلى الله عليه وسلم على إتقان العمل: والإتقان في حالة ذبح الحيوان يقتضي احترام الروح التي أودعها الله في هذا الحيوان، وتوفير الطعام، وعدم انتهاك كرامة الحيوان، فهو كائن حي، وألا يتم إزهاق الحيوانات إلا قدر الحاجة، وأن نرفق بالحيوان فلا نعرّضه لمعاناة لا داعي لها. وينبغي أن تُفهم الشعائر التي تصحب عملية الذبح من تسمية وتكبير ونحوه على أنها شهادة في الأصل على حسن معاملة الحيوان وفق التعاليم الإسلامية خلال فترة حياته. وقطعا لا تنهض التسمية عند الذبح وحدها دليلاً على الالتزام بتعاليم الإسلام وشعائره، فإن حيوانا ذُبح على الطريقة الشرعية، لكن أسيئت معاملته في حياته هو أمر مخالف للهدي النبوي الذي نُقل إلينا عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « من قتل عصفوراً فما فوقها بغير حقها، سأله الله عن قتله ». وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن حق الحيوان هو إطعامه والإحسان إليه وألا يُعذّب. وقد كان هذا أحد واجبات الإنسان وأحد شروط السمو الروحي له.
وبالعودة إلى النصوص النبوية ومراعاة النتائج المترتبة على منطق النزعة الإنتاجية المعاصرة، يمكن للمرء أن يدرك بسهولة كيف أن المنهج التقني الشكلي يفرّغ الرسالة الروحية من محتواها الحقيقي. فإن الهوس بتقنيات الذبح الحلال مع إغفال مسألة التعامل المخزي والشائن مع الحيوان في مجتمعاتنا وغض الطرف عنها، علاوة على فرط الاستهلاك والإفراط في الإنتاجية (في بعض المزارع الصناعية والمسالخ)، إلى جانب إساءة معاملة الحيوانات في المجتمعات الأكثر فقراً – هو أمر صادم، غير منطقي، يكشف عن خلل كبير. إننا نجيد استحضار التعاليم النبوية السامية العظيمة، دون أن يكون لها وقع حقيقي على أسلوب تعاملنا مع الحيوانات بشكل يومي. ولذا تم اختزال قضية الأطعمة الحلال في شكليات إجرائية دون مراعاة حقيقية للأمور الضرورية في شعيرة الأضحية التي تبيح لنا ذبح الحيوان للأكل بعد إعطائه حقه من الرعاية والمعاملة الحسنة وعدم التسبب في معاناته. وبدلاً من إصلاح الوضع عبر الملاءمة بين الوسائل والغايات، يتحول الأمر نتيجة هذا الإفساد الكبير إلى مخالفة حقيقية وخروج عن التعاليم الشرعية، حين يكون الاهتمام بشكل الرسالة ومظهرها على حساب مضمونها وجوهرها.
ويصل التناقض في هذا الأمر ذروته مع قدوم عيد الأضحى، حيث إحياء ذكرى تضحية سيدنا إبراهيم عليه السلام في ختام مناسك الحج. وهنا يقف المرء مصدوماً أمام مشاهد مروعة للتعامل مع الحيوانات، هذا بالإضافة إلى حجم الإسراف والتبذير على الصعيد المحلي والعالمي. ولا شك أن ثمة تطورات حدثت فيما يتعلق بتوزيع اللحوم خاصة على الأشخاص الذين يعيشون في بلدان فقيرة إلا أنّ الفوضى لا تزال سائدة في هذا الشأن. فهل إساءة معاملة الحيوان والإسراف والتبذير وإضاعة الطعام، تتماشى مع المقاصد العليا للرسالة الإسلامية؟ أين المجامع الفقهية من هذا الأمر، تلك المجامع التي تضم بين أعضائها خبراء متخصصين في تقنيات الذبح علاوة على من لديهم المعرفة العصرية المواكبة للتطورات، أين هم ليؤكدوا على الأهداف والأولويات، ويقدموا لنا طرقاً بديلة للتعامل مع هذه الأمور؟ إنّ احترام الحياة التي أودعها الله في هذه الحيوانات لهو أكثر أهمية من تقنيات الذبح، كما إن إضاعة الطعام سدى أمر غير مقبول، ولا يمكن تجاهل المقاصد العليا تحت مسمى الوسائل والإنتاجية. لكل هذه الأسباب، يصبح من الأهمية بمكان أن نخرج بأفكار وممارسات أكثر اتساقاً وترابطاً، وفتاوى وأحكام تراعي مختلف الظروف والسياقات، مع مراعاة الأخلاقيات التطبيقية في ضوء التحديات العصرية.
إنّ اقتراح تقنيات تربية حيوانية جديدة على نطاق صغير أو متوسط أو كبير، وتطوير أنواع جديدة من المسالخ تجمع بين الكفاءة واحترام حق الحيوان، وإصدار فتاوى تجوِّز دفع ثمن الأضحيّة بدلاً من الذبح، كلها مبادرات طيبة من شأنها أن تساعد المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة في مراعاة المقاصد العليا والمعاني السامية للأخلاق الإسلامية بدلاً من الاختباء خلف التشبث بالقواعد والوسائل التي لا تفي بجوهر الرسالة الإسلامية وحقيقتها، وإنما هي مجرد امتثال شكلي زائف. إنّ شعيرة الذبح هي مثال بسيط متكرر يكشف عن التناقضات بين التعاليم الروحية والممارسات المعاصرة، ويجسد المشكلة كلها. هذا الهوس بالشكل والمظهر على حساب الجوهر والمضمون، الخلط بين الوسائل والغايات، تبني منحى إصلاحي لا يناسب التحول الحادث، تقرير القاعدة مع إغفال مقصدها ومعناها، هذا كله هو أساس كل تلك التناقضات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* تم نشر المقالة الأصلية بتاريخ ١٦ أكتوبر ٢٠١٣ باللغة الإنجليزية:
http://tariqramadan.com/english/2013/10/16/eid-al-adha-and-tiding-over-contradictions/
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أنا أوافق الدكتور رمضان في قوله بوجوب الإحسان للحيوان كيف لا و النبي -صلى الله عليه و سلم- يقول »إن الله كتب الإحسان في كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة و إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة و ليحد أحدكم شفرته و ليرح ذبيحته ». لكن في مسألة النظر إلى المصالح العامة و المقاصد فهذه يجب النظر إليها و أخذها بعين الاعتبار في إطار النصوص الشرعية الواردة و ليس التجرد عن هذه النصوص ففي قول الدكتور »وإصدار فتاوى تجوِّز دفع ثمن الأضحيّة بدلاً من الذبح » فعلى هذا المنهج سنصير النصوص الشرعية أمرا ثانويا و كل أحد سيرى المصلحة و المقصد في جهة معينة و يصبح دين الله عبثا.
bonjour je suis d’accord avec Mr Tariq Ramadan, et je vois que la majorité des musulmans ne sachent pas les règles du sacrifice et ça fait du mal dans les gorges des moutons
اوافق تماما الاستاذ رمضان في تنبيهه و مناداته لمراجعة شاملة لرؤية المجتمعات المسلمة لمواضيع دينية محضة في ضوء المقاصد الشرعية للدين. فلا يمكن التشبث بالشكل دون التعلق باللب و الهدف الاسمى.
نسأل الله أن يمنح علماءنا النور الذي يجعلهم يفطنوا لهذه المسائل لانها لم تعد تحتمل الأجل و لا التغافل عنها. طرحها و معالجتها باتت عاجلة، و إلا سندخل في فوضى كبيرة اشد من تلك التي تعصف ببلداننا بدون استثناء.
بدأت منذ اكثر من ست سنوات بدفع مبلغ الاضحية لفقراء عوض شراء الخروف و تضحيته.
نسال الله القبول و الهداية.
bonjour.
j’ai deux question a dr Ramadan SVP
est-ce que le sacrifice du mouton est un acte de l’islam? si c’est le cas est ce qu’il est obligatoire? merci