أزمة الوعي الإسلامي المعاصر*
ترجمة: الأستاذ شياظمي صلاح
من آسيا إلى أمريكا مرورا بالشرق الأوسط، ثمة ملاحظة تفرض نفسها في ذهن المراقب والباحث وتتجلى في الأزمة العميقة التي تعترض الوعي الإسلامي المعاصر. فمن البديهي طرح التساؤلات التالية: كيف يمكن أن تكون مسلما حاليا و تبقى وفيا لمبادئك و منفتحا على العالم في نفس الوقت؟ و هل يمتلك المسلمون آليات لتدبير التنوع وتجاوز العديد من الإنقسامات الملغومة ؟ ثم ما الذي يمكن أن نأمله من المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة على مستوى أنموذج التنمية و التربية و العدالة الإجتماعية و البديل الإقتصادي؟ و ما هي الإسهامات الأصيلة التي يمكن أن تقدمها الحضارة الإسلامية الألفية داخل حفل الحضارات و الثقافات السائدة؟ الجميع يطرح هذه الأسئلة المزعجة، مسلمين و مسلمات ؛ أفرادا و جماعات. لقد دامت الأزمة وقتا طويلا و تأخرت الأجوبة كذلك. و الضوء في نهاية النفق لا يعدو أن يكون إلا من نسج الخيال.
إن جوهر الخطاب الروحي و الديني والفلسفي للإسلام واضح تماما و ضاغط في آن واحد. فالإنسان كائن حر و يجب أن يكون مسؤولاً عن هذه الحرية من خلال السعي عن السلام روحيا و فكريا. فالإسلام هو سعي من أجل السلام: سلام القلب كما السلام الإجتماعي و السلام بين المواطنين كما السلام بين الأمم.فالخطاب الإسلامي يتطلب منا و يدعونا إلى عدم إهمال أي شكل من أشكال السلام و أن نضع في الحسبان ترتيب و أولوية الأهداف بإستمرار. فإذا كانت الغاية المطلقة هي الإستجابة للخالق و تحقيق محبته، و إذا كان الطموح الأساسي يتجاوز أفق الحياة الدنيا فالحقيقة تظل أن تقدير الحياة الدنيا ( بدليل آية « و لا تنس نصيبك من الدنيا ») و العلم ( بدليل آية « لأولي الألباب » ) والكرامة (و لقد كرمنا بني آدم) و الحرية (لا إكراه في الدين) و العدل (إن الله يأمر بالعدل و الإحسان) تعد بمثابة القيم و المبادئ بإعتبارها الأهداف التي يجب السعي إلى تحقيقها هنا و الآن.إن الأهداف الواضحة للخطاب الإسلامي تفرض على المؤمنين المشاركة بقلوبهم وذكائهم و وجودهم في هذا الجهاد الذي يهدف إلى تحقيق قيم الإنسانية و الكرامة و الوعي؛ و هم مدعوون إلى الإلتزام و العمل بإيمانهم القوي و حريتهم إلى إصلاح الذات و إصلاح العالم دون أن نفقد الأمل و رجاءنا دائما في الله.
إن أعراض أزمة الوعي الإسلامي المعاصر الأكثر جلاء و خطورة تتجلى في اشكالية مزدوجة تتعلق بقلب الوسائل و الاهداف فضلا عن عكس ترتيب ماهو أساسي و ما هو ثانوي.
و تلخص عمليات القلب و العكس المذكورين آنفا ملامح الأزمة على مستوى جميع مجالات الفعل الإنساني تقريبا بل حتى في الخطاب الروحي للإسلام نفسه. و بالتالي فالمؤمنون مدعوون إلى حياة تتغدى على الإحساس بوجود الواحد و إلى العمل بشكل واع « كأننا نراه »، لكن الحقيقة أن هناك أناسا يزعمون العمل باسم الله وينسون هذه الغاية و ينتهي الأمر بالهوس بأعمالهم و تنظيماتهم و حركاتهم إلى درجة الهوس بالسلطة و المال.
لقد تم استبدال الوسائل بالغايات حتى ضاع جوهر الأعمال و بنيانها الروحي، مثل ذالك الشخص الذي يهتم بطقوس الجوارح و يتجاهل سمو الروح. و لقد سعى البعض أمام هذا الواقع لإيجاد الوسائل المناسبة للحد من هذه التجاوزات من خلال التعاليم الروحية و الأوساط الصوفية. فوجد البعض منهم توازنا حقيقيا في حين نجد عند الأخرين تجاوزات مثيرة للقلق. مع العلم أن من شأن القيم الروحية أن تساعد الإنسان على تغيير مجرى حياته و هنا تجد البعض منهم يعيشون تجاربهم الروحية إلى جانب حياتهم اليومية بدون أن تتأثر هذه الأخيرة بالتعاليم الروحية و الأخلاقية. بالإضافة إلى آخرين يسلمون أنفسهم و قلوبهم بكل صبيانية إلى الشيخ المرشد فيقدسونه، في حين أن الغاية المطلقة من الخطاب الاسلامي تقتضي بناء الإنسان الحر و المسؤول و المستقل في علاقته مع ربه و مع الناس. هنا تأتي الحقبة الخطيرة التي شهدت إنحرافا على مستوى السلوك الروحي الاسلامي الذي أدى إلى ظهور فئات منفصمة الشخصية و الذين يتم دعمهم على محمل الجد. إن تربية القلوب التي ينبغي أن تذكر البشرية بالغاية من الوجود انتهت بتجاهل التعاليم الجوهرية. فالعزلة الروحية مثلا تعتبر وسيلة لتحقيق صلة الإنسان بروحه بتواضع وسلام. غير أن الانعزال من أجل الإنعزال يمكن أن يصبح فخا تختلقه النفس بكل مكر و التي يجب ترويضها، لكنها مازالت تنتصر ، وهنا يتجلى الوضع المعاكس و المهلك.
نجد نفس الوضع كذلك عندما يتعلق الأمر بدراسة الأحكام الشرعية (أحكام الجائز و غير الجائز، وأحكام الحلال و الحرام ) في العالم المعاصر. سواء تعلق الأمر بأحكام تتعلق بالممارسة الشخصية أو الأعراف الإجتماعية أو حتى القوانين المطبقة، فإننا نواجه نفس الظاهرة التي تتجلى في تضخيم الحكم الشرعي الذي يحد أو يمنع أو يجرم الفعل في تجاهل تام للمقاصد الكبرى التي من أجل تحقيقها وضعت هذه الأحكام و هذه القوانين أساسا.
و حتى إن تجاوزنا التيارات الحرفية فإننا نجد هذا السلوك عند عدد كبير من الفقهاء و المؤمنين التقليديين الذين لا يفرقوا بين إحترام الحكم الشرعي و بين الوفاء لغرضه ، و دون الأخذ بعين الإعتبار السياق و الأهداف. فالحكم الشرعي ينبغي أن يبقى وسيلة؛ لكنه أصبح هنا غاية في حد ذاته. ينبغي أن أذكر بوجود الأحكام الواضحة و الثابتة سواء تعلق الأمر بالعبادات أو الواجبات أو المحظورات و التي من الواجب احترامها. و يجب أن نضيف كذلك أن بعض الأحكام تستلزم إستيعاب السياق العام إذا اردنا أن نبقى اوفياء للغرض من وجوده. و بالتالي يتم تجاهل الأسئلة الجوهرية، لإنه بإمكان محددات الأحكام أن تضفي الشرعية على بعض الحالات الجائزة شرعا دون أن تتفق مع السلوكيات و الأخلاق الإسلامية. و يمكن أن نضرب المثل بمعاملة الحيوانات بحيث أن التركيز على شرعية اللحوم المذبوحة وفقا للقواعد الإسلامية الصارمة يؤدي إلى تجاهل و عدم التسائل عن المعاملة غير المقبولة للحيوانات حتى عند المسلمين أنفسهم. و الأمثلة من هذا القبيل توجد بكثرة؛فكون الحكم يكتسي طابع الجواز لا يضمن بالضرورة الطابع الأخلاقي للحكم نفسه. و هذا ينطبق على مجالات العدالة الإجتماعية و العلاقات بين الرجال و النساء و العنصرية و التعددية…إلخ. لقد حول هاجس الحكم الشرعي هذا الأخير إلى غاية في حد ذاتها ولم يعد وسيلة مما أدى إلى قلب الأولويات و بالتالي تجاهل الجوهر و ضياعه. رغم أن الرسول عليه الصلاة و السلام أوضح بجلاء الغرض من بعثته فقال عليه الصلاة والسلام : « إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ». إذن الأصل في الضوابط و الأحكام الشرعية هو الغاية من وجودها، فالغاية هي التي تعطي معنى لهذه الأحكام. فالصلاة مثلا بدون ذكر لله تعد صلاة بدون معنى.
إن أزمة الوعي تبدو عميقة جدا و تتطلب صحوة تحمل نَفَسا تجديديا أو بالأحرى ثورة بالمعنى الحرفي للمفهوم. لقد كشف هذا الإرتباك و هذه الأوضاع المعاكسة عن حالة ذهنية و وضعية سيكولوجية جماعية أدمجت لأجيال عديدة، أدمجت لأجيال عديدة، فكرة المغلوب الذي يجب أن يحتمي من خلال القواعد و الضوابط و المحظورات الشرعية، إلى درجة جردت التعاليم الإسلامية من معانيها الحقيقية، و أصبحت هذه الفكرة قائمة بذاتها. و لقد تمت صياغة الأحكام بنفسية المغلوب في موقف دفاعي، فأصبحنا نتعامل مع الحكم كغاية في حد ذاتها أو ضابط أو إطار عام نحتمي فيه ضد فقدان الذات و الإغتراب و الإنحلال. وبالتالي سينتج هذا الموقف -و هو طبيعي مثل غريزة البقاء- أزمة ثقة و أزمة معنى إذا ما إستمر الإنغلاق عليه و هذا ما نلاحظه حاليا.
إننا نشهد نهاية هذه المرحلة كما شهد تاريخ الحضارة الإسلامية مثل ذلك مرات عديدة. و الأمل أن تأتي أجيال جديدة من العلماء و المفكرين قادرين على الإصلاح الجذري للأفكار و العقول التي تقرأ النصوص المقدسة قراءة قائمة على التجديد و الشجاعة و الوفاء للمعنى. الأمل إذن في نساء و رجال يحملون مشروع إصلاح الضمائر؛ يقاومون تجريد الانسان من إنسانيته و تطلعه إلى السمو الروحي؛ يرفضون الواقع السائد و يلتزمون بإصلاح المجتمعات و سيادة القيم الروحية؛ هذا الإصلاح لا ينبغي أن يكون فقط للتكيف مع الأوضاع السائدة المضللة بل يجب أن يهدف إلى تغيير حقيقي يأدي بهذه المجتمعات إلى معانقة الحرية و الكرامة و السلام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*تم نشر المقالة الأصلية باللغة الفرنسية بتاريخ ٢ أبريل ٢٠١٣
http://tariqramadan.com/blog/2013/04/02/crise-de-la-conscience-islamique-contemporaine/
من آسيا إلى أمريكا إلى العالم كله إن أزمة الوعي تتجلى كما برزتموه في دهنيات الأفراد كفردى و كجماعات و لمادا ؟ هل لعدم وجود مفكرين أم لإنطواء المفكرين على أنفسهم أم أزمة المفكر في فكره أم أزمة الروحي في إنعزاله أم أزمة الفقيه في تقليده أم أزمة المجتمع في مورثه أم أنها أزمة ناظر و منظور أي بشكل أوضح الكل له الحق أن يتهم الكل في إفتعال الأزمة هكدا نكون قد حكمنا على أنفسنا بالهلاك لو دققنا جيدا نجد أزمة الوعي لديها عدة أسباب حيث من بينها أننا لا نحسن ثقافة التعاون و البر التي أمر بها الإسلام وسببها لو تركنا جانبا الإختلاف بأنواعه و التصنيف بأنواعه و الأحكام مطلقها و هده من مهام المفكر و المثقف و الواعي ككل التجرد من الأنا الزائد و التشبت بالرأي و فتح التعاون بالتواصل المحتوم في إيجاد الحلول للأزمة كبداية لحل جدري و الإستيفاق من السبات العميق لوجود أفكار دون وجود حلول واقيعية للأزمة نحن نرى أنها أزمة وجود رابط فعال بين النخب الواعية لحل الأزمة ليس جملة واحدة و إنما بمراحل .و النفس الجديد هو أولا تقبل بعضنا البعض مهما كان إتجاهنا العلمي و الفكري …فهدا بحد داته رحمة و خطوة إيجابية لحل أزمة الوعي فالكل يجد نفسه مجبر على تغيير نفسه ليغير بالحتمية من حوله فالأزمة: هرم يبدأ بوعي القمة أي كل من يسهم في الفكر من قريب أو بعيد فتنفرج الأزمةأولا بين رأس الهرم فيعي أن أزمة الوعي تبدأ من عنده ثم بعد دلك يجب البحت عن الآليات الحقيقية لتفعليهاوسط الهرم والدي نقصد به المجتمع ،الفرد ،الجماعات … أما القاعدة و التي هي في الأساس من محقت الوعي بسبب عدم وعييهاو السبب في دلك عدم وعي قمة الهرم و وسط الهرم ي فبالنتيجة إدا وعى الهرم من القمة إلى الوسط تجد القاعدة أي السلطة ، الحكومة ،… واعية كل الوعي نفسها بضرورة تطورها تحسيناو جعلها حقيقة مللومسة و هكدا يولد الوعي الحقيقي وتتعانق الحرية و الكرامة و السلام .
قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الإيمان ليخلقُ في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم. رواه الطبراني