كيف بدأ كل ذلك؟ ماذا كانت أول الأسباب؟ وهل لذلك علاقة بجوهر الطبيعة أو أنّها مجرد حادثة في تاريخ البشرية؟! عندما ننظر إلى الوراء، إلى أبعد ما يمكن لأي أحد تذكره، نجد أنّ الثقافات والمجتمعات البشرية قد أسست علاقات قوة معظمها -وبانتظام عجيب- ليست في صالح المرأة! حتى وإن أمكن ذكر بعض النماذج النادرة عن مجتمعات أمومية (لا ذكورية) تتمتع فيها النساء بحرية وقوة، لكن -شئتم أو أبيتم- هذه النماذج هي من قبيل الاستثناء لا القاعدة.
استنتج بعضهم من ذلك ومن خلال تفسيرهم لتعاليم دينهم أو تقاليدهم الخاصة أنّ الأمر مرتبط بقانون الطبيعة وجوهر الأشياء. حاول آخرون فهم المنطق والديناميات الاجتماعية التي رسمت -في مرحلة ما- العلاقات بين الرجل والمرأة في إطار ومنطق علاقات القوة والهيمنة. بين هذين الطرفين الفلسفيين الأيدلوجيين الدينيين، معظم النساء والرجال قد تغيروا استجابة لتاريخهم الاجتماعي وبيئاتهم. فمن البيِّن أنَّ النساء قد اكتسبن بعضا من الحقوق وأنَّ الرجال قد خسروا بعضا من النقاط التقليدية والمرجعية التي كانت في صالحهم، ولا يمكن لأحدنا إنكار مثل هذه التغيرات الكبيرة. على الرغم من ذلك، فهناك أسئلة باقية بلا أجوبة، وأوجه أخرى لعدم المساواة، بالإضافة إلى توترات وشكوك وغير ذلك مما يجعل الموقف -في كافة المجتمعات الشمالية والجنوبية، الغنية والفقيرة، العلمانية أو غير العلمانية- بعيدا عن أن يكون جيدا بحال.
هذه أزمة طويلة الأمد! معظم قصص بدء الخليقة تحكي كيف أنّ الرجل قد خٌلِق أولا ثم خُلِقت المرأة لتكون صاحبة أو رفيقة له. هذه القصص أو النصوص وإن كانت في بعض تفاصيلها واضحة، ولكن في حالات أخرى نجد أنّها تحمل تفاصيل قد بُنيت في الأساس على تفسير الذكور فحسب، ونجد ذلك التفسير الأحادي مطردا في المجال الاجتماعي والسياسي كذلك.
ومن بين العدد المهول من الفراعنة والملوك عبر التاريخ نجد عشرة أو أقل من النساء قد لعبن دورا في المجال العام -غالبًا يتسم بالثانوية أو العدمية. فقد لاقت المرأة مصيرا واحدا في الأنكا والمايا والأزتيك: كنّ زوجات وأمهات وإماء، يطبخن، ويرعين البيوت، و تمتّع بعضهنّ بحياة أرقى كهؤلاء اللواتي يعملنّ بالغزل والحياكة، أو -كما هو الحال في الأزتيك مثلا- القابلات تمتعن بوضع اجتماعي خاص: فمساعدتهنّ في منح الحياة، والعناية بالفتيات والنساء في مخاض الولادة كان له مكانة خاصة.
إذن، العلاقات الحقيقية وتمثيلاتها الرمزية كانت واحدة دائما: أدوار المرأة متعلقة بالخدمة (وغالبا ليس دائما هي أدوار ثانوية دنيا)، وبأمور أخرى تتعلق بالحياة والدين. وقد أضفى هذا الأخير على المرأة دورًا مميزًا وقوة ما في نظام مجتمعي وثقافي أبوي وذكوري في أقصى درجاته.
تجدر الإشارة إلى أنه لم يكن هناك وجود للنساء في الأوساط الفلسفية في اليونان القديمة، وكان وجود زوجة سقراط إلى جانبه عندما حُكِم عليه بالموت بمثابة الاستثناء من القاعدة. في هذه الأوساط الفلسفية، تحدثوا عن المرأة وعن فلسفة الحب التي كانت في نظرهم شكل من أشكال التسامي الذي حوّل الجذب الجسدي إلى الجمال الفكري، ولكن بقيت الصورة غامضة عن الأنوثة. الفيلسوف الصياد الذي كان في حالة عشق مع الحقيقة والجمال المطلق، كانت المرأة بالنسبة إليه مرحلة، أو سعي باحث، أو رمز. مثّلت المرأة مرحلة في التعالي عن الجسد والبحث عن الحب الذي صار عشقًا عميقًا ورمزًا للتجربة الإنسانية. أما بالنسبة لكيانها وتطلعاتها الشخصية، بقيت المرأة في “غياب”. والبعض يقول أنه قد اعتُرف بوجود قوة معينة في المرأة ولكن لم يثق الرجال في هذه القوة وحاولوا السيطرة عليها قدر الإمكان، فجسد المرأة هو منبع الحياة وبالتالي لا يمكن الاستغناء عنها، ولكن هذا الجسد يملك أيضًا قدرة على الإغواء وإخضاع العقول، وتقييد الرجال في رغباتهم الحيوانية. الأساطير اليونانية والرومانية تصور هذا الكائن الغامض والشخصية الإلهية أرتميس، المعروفة أيضًا باسم “ديانا وهيكات” التي لم ترغب في الزواج البتة بعد أن شهدت آلام الولادة وظلت عذراء ممثلة للصيادة المحاطة بصورة غريبة بالحيوانات الذين كانت لتكون لهم فريسة. وفي يوم، قد حمت الخصوبة ونقاء العذرية والحياة، وفي الليل وفي ضوء القمر، تحولت إلى ساحرة وأخذت في الانتقام والقتل، فكان لها وجهان ولكن قوة واحدة رائعة وغامضة.
في بحثه عن الحقيقة، ربط سقراط بين منهجه الجدلي والولادة، ورأى أنّ طب التوليد يمكّّن الفيلسوف أن يكون قابلاً للعقل يساعد محاوره أن يلد أفكارًا جديدة لم يعلم حتى أنها لديه: فالفيلسوف بالنسبة إلى الأفكار كالقابلة بالنسبة للأطفال، بزيادة الارتقاء الروحي السامي ونقص الألم، وبذلك يتلائم الجوهر الجسدي للحياة من خلال الولوج إلى عالم الفكر والروح: فالمرأة تنتمي إلى الجسد، والفيلسوف ينتمي إلى العقل. ولكن ثمة كشف تحدثه هذه المقارنة يتعلق بالقوة الخفية عند النساء اللواتي هنّ أصل وقلب الحياة. لكن النبل المفترض في القابلة -التي تجلب الحياة إلى حيز الوجود- لا يمكن أن يوجد دون قبول مسبق من النساء، فالجسد والرغبة والنشاط الجنسي للمرأة هو الذي يمنح الحياة. والقوى الأخرى للمرأة -من إغواء وعاطفة وغريزة- تكشف عن مصير الرجال وطبيعة التوترات والتناقضات كما الآلام العنيدة التي مازال عليهم تحملها. على جبل أوليمبوس (المصائر الثلاثة Three Morae) تدور، أو بشكل أكثر دقة، تنسج مصير الرجال بضوء القمر، ولها قوة غير مرئية وشديدة الوضوح في آن واحد.
في وقتٍ سابق لما بحثه سقراط، وصلت التقاليد الهندوسية والبوذية أقصى تلك المفارقات، فعلى الرغم من وجود تمثيل للمرأة في مقدسات الهندوس وآلهتهم، لا تزال المرأة غامضة عندهم، فهي طريق وعقبة في آن، وسماتها الأساسية في كل نواحي الحياة هي الإخلاص والزهد. وألم الولادة المقترن بمنح الحياة (والعيش) هو الحكاية الأكثر وضوحًا للتعبير عن دورة العبودية والمعاناة التي يجب التغلب عليها في التقاليد البوذية.
إذن، الزخارف والرموز المتماثلة التي تظهر في ثقافة تلو الأخرى هي كالتالي: الحياة، الجسد، الغريزة، المصير، الطهارة، الإغواء، الرغبة، والمعاناة. القصص المحكية في التوراة والإنجيل ليست استثناء من هذه الصورة، فحواء مقترنة بالغواية والفاكهة المحرمة، فهي نفسها قد أُغرِيت وأغريت، وقد خبُرت التدنيس وأعطت الحياة، هي نبيلة ولكنها تعاني أثناء الاجتماع الجنسي من خلال الأجهزة العضوية التي تمرر شدة الرغبة والخجل من الاحتياجات الطبيعية. وهنا نرى مرة أخرى قوة الظلام: إزعاج ومعاناة يتبعهما قوة أقوى من كل الأوامر وجميع القواعد.
وصف الكاتب الروائي الفرنسي جول ميشيلت في روايته « الساحرة » مراحل ارتقاء المرأة الساحرة في قلب الليل بقوله: « على ضوء القمر: الجموع السوداء، والقوى المضادة، والقوة الحقيقية. الرجل يملك النهار ولكنها تملك الليل. الرجل يحافظ على نظام ظاهري يتسم بالتاريخية والهشة، وهي تمتلك رغبة خفية تتسم بالضرورية والخفاء. الرجل يمتلك قوة السيد الذي لا يعني شيئا بدون الرقيق، وهي تمتلك قوى الرقيق الكائن حرا دون السيد.
بفضل انعكاس هذه العوالم، المرأة تستحوذ على علم يجعل صورتها أقرب ما تكون إلى الشيطان. قد شعر نيتشه بهذا الحدس عندما سأل في مقدمة كتابه: « ما وراء الخير والشر: Beyond Good and Evil »: « لنفترض أنّ الحقيقة امرأة، فما هي؟ » ثم تأمل في كونها ممثلة لكلٍ من أسرار وأخطار المعرفة. فالفاكهة المحرمة هي من شجرة المعرفة، والشيطان هو من أغرى المرأة لتذوقها. وذلك وحي مرعب؛ فالمرأة هي الحياة، والمعاناة، والمعرفة، أو بدقة أكبر هي المعاناة والإغواء والمعرفة التي هي جوهر الحياة.
الجسد الاجتماعي قد يخضع لها، ولكن كل شيء يرجّح أنها تملك قلبه، فلديها وجهان كما لديها مفارقة التناقض، تماما مثل الشخصيتان القرآنيتان: بلقيس ملكة سبأ التي تمتعت بقوة سياسية على الرجال بنبلها وحكمتها المثالية، وزوجة الملك في قصة النبي يوسف عليه السلام، التي -على الرغم من غوايتها وجنونها وعاطفها- كانت سيدة الحيل والدهاء.
هذه علاقة صعبة، وهذه العلاقات بين القوة والخوف قديمة قدم الإنسانية. المسألة مسألة فهم وسيطرة وأحيانا هيمنة، بعلم كامل أنّ السر الأساسي يبقى غير مطروق: سر قوة المرأة التي لا تقهر والحرية غير القابلة للسلب.. ثم ما الذي تقدمه لها الحياة لا بدّ أن ينظمه لها المجتمع!
وللــــــه فـي خـلــقــه شـــؤون …
بسم الله الرحمن الرحيم
» وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّـهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّـهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ »
صدق الله العظيم
نعم ان حقا العلاقه بين الرجل والمرأه علاقه معقده فالانثى قادره على ان تحرك الرجل الى ما تريد دون ان يشعر ولكن هناك نساء لا يتمتعون بهذا الدهاء