الجزء الثاني من حوار سفير نيوز مع طارق رمضان وادجار موران:
إحياء التضامن لإحياء الأخلاقيات
ترجمة: صلاح شياظمي
سفير نيوز: تنتقدون النموذج الديمقراطي الحالي من خلال السلطة الإعلامية وسلطة المال، كما تنتقدون الرأسمالية. ماذا تقترحون كبديل لهذا النظام الاقتصادي الذي يوحد الهويات؟
طارق رمضان: لقد ناقشنا دور المثقف ودور التعبير عن هذه المقاومة، فنحن لا نملك إلا أن نقف ضد الرأسمالية والنيوليبرالية، فالعديد من دول العالم تم تدمير اقتصادياتها في أمريكا الشمالية، وافرقيا وآسيا، كما نشهد تنامي البطالة في الغرب. إن هذه حقائق مقلقة للغاية. لقد ناقشنا كذلك الأسئلة التي تتعلق بالتخصصات العلمية من قبيل تجزئة العلوم، وانعدام الرؤية أثناء صياغة السياسات. فما هو البديل الذي يمكن أن نقترحه؟ نحن بالتأكيد صارمون ومشددون في النقد، لكن في الواقع يعوزنا البديل، كما يعوزنا الفكر الاقتصادي البديل في فكرنا الإسلامي المعاصر. فنحن نحرم المضاربة والفوائد، لكن في الواقع لا نقترح بديلا، ففي غالب الأحيان نكون بصدد أسلمة الوسائل دون مساءلة الغايات. كما نريد نريد أن نجني نفس الأرباح ونفس الفوائد بوسائل مشروعة. يلزمنا أن نؤسس لفكر أكثر عمقا، كما ينبغي للوعي الإسلامي الذي ينطلق من المرجعية الإسلامية أن يسعى إلى البحث وطرح التساؤلات الحقيقية، ليس بالضرورة من داخل المرجعية الإسلامية فحسب، بل من المرجعيات الأخرى سواء كانت علمانية أو أغنوستية، وبالتالي يمكن أن نجتمع ونتبادل الآراء على هذا الأساس. فلن نجد حلولا حقيقية انطلاقا من مرجعية واحدة. فعلى سبيل المثال، نرى أن السود لوحدهم يحاربون العنصرية، كما أن المسلمين لوحدهم يحاربون العنصرية الجديدة التي تكن العداء للمسلمين، والأمر نفسه بالنسبة للذين يبحثون عن الشغل فنحن لم نتمكن من إقامة علاقات مع جميع الأطراف، وبالتالي لا ينبغي أن نوجه اللوم فقط إلى القوى المهيمنة والجائرة. كما يجب أن نسائل أنفسنا عن مدى مسؤولياتنا في بناء جسور التعاون والعمل المشترك. فهذا ما ينقصنا وهو من الأهداف التي سطرها الكتاب
سفير نيوز:كيف تناولتم قضايا الاقتصاد والإعلام في مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق؟
طارق رمضان:إن نظريتي حول الأخلاق والتشريع ترتكز على أمرين أساسيين. العامل الأول يتجلى في الربط بين مختلف التخصصات العلمية من خلال الجمع بين علماء النص والتراث وعلماء الواقع والسياق. وقد قمنا في هذا الصدد بتنظيم ندوة حول الاقتصاد واستضفنا ثلاثة علماء ليسوا مسلمين، لمسائلة ونقد المقاربات التي نقدمها من خلال اقتراحنا للاقتصاد الإسلامي كبديل اقتصادي. فهناك أخلاقيات إسلامية تساءل الواقع الاقتصادي. كما نحتاج إلى تداخل مختلف العلوم
و الثقافات عبر تبني المقاربة العبر منهاجية من خلال الإنصات إلى أصوات مغايرة. إننا ذلك ندرك منذ زمن طويل، لكن قوى الهيمنة والجور تعمل جاهدة لتقسيم صف المقاومة لتنتصر، كما أن نقطة ضعف قوى المقاومة تتجلى في ادعائها أنها تمتلك وتمثل وحدها صوت المقاومة. لقد سمعت بعض الناس يقولون أن من الممكن أن نبني فضاء جديدا مشتركا بحكم التشابه في تدبير العديد من القضايا، تلك التي كانوا يتعارضون بشأنها وباستخدام نفس أساليب المعارضة. لا يمكن أن نبني فضاء جديدا بهذا الشكل. إن جميع كتبي الحوارية التي كتبتها مع كتاب مسيحيين وأغنوستيين وملاحدة كانت تصب في خانة الانفتاح الثقافي الحقيقي، وهذا ما يسميه إدجار بالعقل المنفتح.
سفير نيوز: إدجار موران، توجد الأخلاقيات في صميم تصوركم. كيف يمكن للإعلام أن يكون له إسهام أمثل في هذا الصدد؟
إدجار موران: هناك مصدران للأخلاقيات التي وجدت مع الإنسانية منذ عصور ما قبل التاريخ، وهي التضامن والمسؤولية، وهما غير قابلين للانفصال، بحكم أن التضامن يقتضي المسؤولية. لقد وجدت هذه الأخلاقيات في جميع التجمعات البشرية، كما كانت حيوية لكنها كانت منغلقة في الآن ذاته تجاه الغرباء والآخرين. اليوم، لا يجب فقط أن نحافظ على أخلاقيات التضامن والمسؤولية التي تدهورت بشكل رهيب في بلدان مثل فرنسا، ولعدة أسباب (كسيادة الفردانية و الأنانية وما إلى ذلك)، ولكن يجب كذلك إحياء قيم الأخوة والجماعة بشكل منفتح، لأننا مدركون أننا نعيش في كوكب مهدد بتدهور الغلاف الجوي وانتشار الأسلحة النووية.
ولابد أيضا من إحياء قيم التضامن الإنساني، فليس هناك تناقض بين هذا التضامن والتضامن مع عائلتنا، و بلدنا، وديننا إذا كنا متدينين. بالنسبة لي، إحياء الأخلاقيات يعني إحياء قيم المسؤولية والتضامن
سفير نيوز: ما هي ردود الأفعال التي تلقيتها في الوسط الفكري بعد صدور هذا الكتاب؟
إدجار موران: لقد سمعت فقط ردود أفعال إيجابية. قد تكون بالطبع ردود أفعال سلبية؛ لكن في النهاية، جل الناس الذين أحبهم وأقدرهم، كان هذا الحوار بالنسبة لهم، غاية في الأهمية لأنه في نظرهم أتى بشيء جديد، كما أنه جمع من البداية بين شخصين، يبدو أن أفكارهما غير متوافقة، لكن في نهاية المطاف تمكنوا من التوافق بشكل كبير.
طارق رمضان، هل تشعر بأن الرقابة تجاهكم تراجعت، وأن صوتكم يسمع بشكل أفضل مع مرور الوقت، على الأقل في فرنسا؟
طارق رمضان: لا أظن أن الأمور تغيرت فيما يخص الرقابة. فعند صدور الكتاب، كانت هناك حلقات تم بثها في بعض القنوات التي استضافتني والتي كانت تستضيفني دائما، كما كانت هذه القنوات تقاوم هذه الرقابة بشكل أو بآخر. كنت أظن أن الأمور تغيرت بعد عشر سنوات من النقاش مع ساركوزي، لكن الأمور ازدادت سوء. بالطبع، لدينا الإمكانية للتعبير، لكنه تحدي يجب أن نرفعه، كما أن هذا الأمر يتم في صمت. الآن، جميع لقاءاتي في المدارس العليا والجامعات يتم إلغاؤها. السؤال يقتضي إذن معرفة أصحاب العقول المنفتحة، وهم موجودون في فرنسا، و يجب كذلك، للأسف، معرفة أصحاب الأفكار الهدامة التي تعمل جاهدة لمنع كلامي من الوصول إلى الجمهور.
سفير نيوز: أريد ثلاث كلمات في حق بعضكما البعض!
طارق رمضان: الإنسانية،و التواضع، والحب. ادجار موران رجل إنساني حقيقي، كما أنه غاية في التواضع مقارنة مع الإسهامات الضخمة التي قدمها، فهو يملك تواضعا ثقافيا حقيقيا، و انفتاحا ورغبة كبيرة في كسب الآخرين. كما أن الحب من الجوانب الأساسية لشخصيته، ومسألة التسامح تجد تعبيرا قويا عند ادجار موران. كما أود أن أضيف خصلة رابعة وهي الشجاعة، لأنه كان دائما متشبثا بأفكاره التي تتعلق بالدفاع عن المقهورين، خصوصا الروم، رغم معارضة رفاقه عندما كان شيوعيا.
ادجار؛ لقد ذكرت أربع خصال: الإنسانية، والتواضع، والحب والجرأة، انتبه إذن إلى ما ستقوله! (يضحك)
ادجار موران: لقد أخدت لي جميع الكلمات التي كنت أود أن أذكرها، ولم تترك لي شيئا (يضحك)، أقول الذكاء الديناميكي، والشجاعة، والإنسانية، والأخوة. لقد اكتشفت الأخوة العميقة التي تجمع بيننا بعدما تطرقنا إلى بعض القضايا من قبيل التسامح، والشعوب المضطهدة، كالشعب الفلسطيني…كما اكتشفت شعور الإنسانية والأخوة الذي يحركه في مختلف التجارب التي خاضها في حياته.
كنت أود أن أذكر الثقافة بدل الذكاء الديناميكي، فطارق رمضان مثقف واسع الاطلاع سواء في مجال الثقافة الإسلامية، أو الفلسفة الغربية، أو الفكر الفرنسي، أو الأوربي، ومن هنا يظهر هذا الذكاء الديناميكي. كما له القدرة على التطور كلما خاض تجربة جديدة.
فكما نقوم بمراجعة السيارة كل عشرة الآف كيلومتر؛ فمن اللازم أن نقوم دائما بمراجعة أفكارنا كل 10 سنوات، لأن العالم
يتغير. فطارق رمضان يتمتع بهذه الملكة، التي تتجلى في حيوية التفكير.
ذكرت كذلك خصلة الشجاعة، لأن مواجهة الكثير من سوء الفهم و المحن، سواء من الداخل أو من الخارج، تتطلب منك أن تكون شجاعا.