هناك أمور عديدة تبعث فعلا على القلق. فخلال العشرين سنة الماضية، لم تكن وضعية المسلمين في المجتمعات الغربية مريحة بشكل عام، بل ازدادت سوء خلال الخمس سنوات الماضية. فالحرب ضد الإرهاب التي شنتها أمريكا بعد هجمات 11 شتنبر 2011 ، والهجمات الإرهابية المتكررة في جميع أنحاء العالم، إضافة إلى التوترات المتعلقة بمختلف القضايا الاجتماعية والهجرة، هذه العوامل أفضت إلى إلصاق التهمة بالإسلام والمسلمين وجعلهم مصدر تهديد المجتمعات الغربية. لقد أدى الخوف السائد إلى ردود أفعال عاطفية وغير عقلانية، التي يمكن أن نتفهمها أحيانا، لكنها في أحيان أخرى يتم توظيفها لأسباب سياسية وانتخابية.
فمن كندا إلى أستراليا، مرورا بالولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، لا تكاد تجد مجتمعا غربيا لم يطرح الإشكاليات المتعلقة بالهوية، والإدماج والجدل حول وضعية المسلمين داخل هذه المجتمعات. فالمسلمون يعشيون اليوم أجواء غير مريحة، كما أنهم أصبحوا موضع الريبة والحذر وموضع الجدل السياسي الذي لا يكون في الغالب شفافا ولا يصب دائما في صالحهم. إنهم يواجهون اليوم خيارين؛ فإما أن يكونوا عرضة للأحداث ويتبنوا الموقف الدفاعي الذي يعكس موقف الأقلية كضحية للميز العنصري التي تنطوي على ذاتها وتبرر أفعالها، أو أن يواجهوا هذه الصعوبات بكل عزم وإصرار والتزام من أجل إصلاح هذه الأوضاع فيصبحون فاعلين حقيقيين في مسيرتهم التاريخية. يمكنهم بالتأكيد أن يقدموا شكواهم من سوء المعاملة والتمييز العنصري الذي يتعرضون له يوميا، لكن في نهاية المطاف، تبقى الكرة في ملعبهم، ولاشيء سيتغيرحقا إذا لم يقرروا أن يضعوا حدا إلى هذا الخوف الذي يتطور تدريجيا من خلال ثورة إعادة الثقة بكل عزم وإصرار.
مواجهة المخاوف والأسئلة المشروعة
هناك مشاكل حقيقية وعويصة اعترضت سكان الدول الغربية في السنوات الأخيرة. فالتواجد الواضح للمسلمين والذين يعدون بالملايين في هذه الدول، جعلهم يدركون أن هناك تغير على مستوى البنية الاجتماعية، وأن التجانس الثقافي أصبح جزأ من الماضي، كما أن قضية الهوية تزداد تعقيدا، وأن التنوع الاجتماعي كان غاية مثالية وصعبة المنال، خاصة عندما كانت المشاكل الاجتماعية (البطالة، والعنصرية، والتهميش) تتزايد.
إن هذه العوامل التي تغذي وضعية اللااستقرار إضافة إلى فكرة وجود ديانة وثقافة أجنبية أفضت إلى حالة من التوتر وطرح العديد من التساؤلات المشروعة، تطبعها أحيانا حالة من الارتباك. فالتساؤلات تدور حول مدى قدرة المسلمين على العيش في مجتمعات علمانية، ومدى توافق مبادئ المسلمين مع مبادئ الديمقراطية، ومدى استعدادهم للإندماج في المجتمع مع جيرانهم غير المسلمين، ومدى قدرتهم على وضع حد للسلوكيات المشينة والصادمة التي تقترف باسمهم من قبيل الإرهاب، والعنف الأسري، والزواج بالإكراه…وهل بإمكانهم أن يخرجوا من الغيتو الاجتماعي حيث يسود انعدام الأمن والبطالة والتهميش؟
لمواجهة هذه الأسئلة المشروعة، من واجب المسلمين أن يتحملوا مسؤلياتهم ويعبروا عن ثقتهم في أنفسهم ومبادئهم وكذلك قدرتهم على التعايش والتواصل بهدوء في المجتمعات الغربية.
إن ثورة إعادة الثقة التي ندعو إليها تمر عبر الثقة في النفس والثقة في قناعاتنا، لكن عن طريق مسائلة التراث والعمل على بلورة فكر نقدي وإيجابي. فتعاليم الإسلام تدعونا إلى السمو الروحي من خلال مراجعة ذاتية والعمل على إصلاح النفس. كما يجب أن نؤكد جازمين أن من واجب المسلمين احترام قوانين البلدان التي يعيشون فيها، وأن يعلنوا ولاءهم لها، فملايين المسلمين يثبتون كل يوم أن « الاندماج الديني » أصبح من المكتسبات، كما يشعرون أنهم بين ذويهم في الدول الغربية، حيث يبنون ثقافتهم وآمالهم وهناك.
ولمواجهة المخاوف المشروعة، يجب على المسلمين ذوي الجنسيات الغربية ألا يتجنبوا التساؤلات أو يقللوا من شأنها. لقد أصبح من المستعجل صياغة خطاب نقدي يرفض تبني موقف الضحية ويستنكر قراءة النصوص الدينية قراءة حرفية وراديكالية. كما يجب رفض توظيف الدين لتبرير الأعمال الإرهابية، أو العنف الأسري أو الزواج القسري، وفاء لمبادئ الإسلام.
إن مستقبل المسلمين يتطلب بالضرورة تدخل المؤسسات والمدارس الدينية المتواجدة في الغرب لتدريس العلوم والدراسات الإسلامية وتكوين الأمة، حتى تستجيب لانتظارات المواطنين الغربيين. من واجبهم كذلك أن يتجنبوا تكريس حالة الارتباك السائدة أثناء الجدل حول القضايا الاجتماعية، فالبطالة والتهميش والهجرة ليست مشاكل ذات طابع ديني، ولا علاقة لها بالإسلام، ومن الواجب كذلك رفض إضفاء الطابع الديني على المشاكل التربوية والسوسيو اقتصادية. فهذه المشاكل تتطلب حلولا سياسية وليست دينية.
ولمواجهة المخاوف المشروعة، يجب تفكيك الإشكاليات دون فصل تجلياتها على بعضها البعض، يعني أن نميز مثلا بين الشأن الديني والمشاكل المدرسية والاجتماعية المرتبطة بالهجرة، وأن نقوم بعد ذلك بدراسة العلاقات السببية في المجال السوسيو سياسي. إن المواطنين المسلمين مدعوون الآن إلى المساهمة في إعادة صياغة الإشكاليات السياسية المعاصرة بشكل أمثل. فالبطالة والفشل الدراسي والانحراف ليست لها علاقة بالإسلام، كما ذكرنا آنفا، لكن يجب أن نفهم الأسباب الرئيسية التي تجعل من المواطنين المسلمين الأكثر عرضة لهذه الآفات. كيف يمكن إذاً للمسلمين أن يساهموا في اقتراح سياسات حضرية جديدة جديرة بإصلاح الأوضاع وقادرة على وضع حد للعزل والعزل الذاتي وتفضي إلى المزيد من العدالة والتمازج الاجتماعي؟
توظيف الخوف
إن الخطاب الذي كان بالأمس حكرا على أحزاب اليمين المتطرف بدأ الآن يسود في الأحزاب التقليدية. فالعديد من المسؤولين السياسيين يلعبون بورقة الخوف لتعبئة الناخبين والدعوة إلى سن سياسات جديدة أكثر صرامة فيما يتعلق بتدبير المشاكل الاجتماعية والأمنية وقضايا الهجرة. وفي غياب أفكار مبتكرة وخلاقة تكرس التعددية الثقافية وتدعو إلى محاربة البطالة والغيتو الاجتماعي، يكتفي هؤلاء المسؤولون السياسيون بخطاباتهم المحرضة واللتي تدور حول الدفاع عن الهوية والتجانس الثقافي والمبادئ الغربية، وفرض واقع جديد متشدد تجاه الأجانب، إضافة إلى دعوتهم إلى سن قوانين جديدة تتعلق بالأمن لمجابهة الإرهاب. إن خطاباتهم السياسية تعزف على وتر التوتر الذي يعيشه الغرب، ويعملون على إذكاء حالة الاضطراب الموجودة، وتبني مقاربة ثنائية لحل المشاكل السوسيو-سياسية التي يكرسونها في خطاباتهم التي تتضمن عبارات التمييز، كقولهم « نحن الغرب » و »هم المسلمون »، رغم أن هناك مواطنين مسلمين وحاملي جنسيات غربية.
د.طارق رمضان
ترجمة صلاح شياظمي