لقد آن الأوان لتصحو من غفلتك… فالغفلة نتيجة لتأثيرالعادات اليومية عليك ،إنها تشبه تماما التنويم المغناطيسي ، وهي أخطر عليك من النوم نفسه .أحيانا تهب عليك نسمة من نسمات التغيير، وتقطع الوعود على نفسك بأنك ستتغير؛ لكن سرعان ما يتبخر كل ذلك لأنك تجد دائما ما تبرر به نفسك ، و ما هي إلا أعذارواهية : أنا متعب ،لدي نقاط ضعف كثيرة ، ذنوبي أكبر من الجبال ، عائلتي و كل المحيطين بي في صراع مستمر ولا أجد منهم أي دعم بتاتا ؛ لتقول بعدها : لماذا سأتغير ؟ لماذا سأصحو من غفلتي ؟ لماذا سأقاوم ؟ لماذا سأبادر ؟ لماذا سأناضل ؟ كيف سأفعل كل هذا وأنا أشعر بالضياع ؟ ما الفائدة من الدفاع عن ذاتي إن كان الجميع يلومني – بما فيهم أنا نفسي- . لكن في حقيقة الأمر عليك أن تدرك أن الركود والاستسلام والاستغراق في النوم هو المنفذ الوحيد لمن حرم من طعم الشهادة.
أخي ، أختي … لو اجتمع كل من على وجه الأرض وأدانوك بسبب ذنب اقترفته- كبيرا كان ام تافها- أو حتى بسبب عيب في خلقتك أو لجرم شنيع ارتكبته ؛ فاعلم أن الله رغم كل هذا حين تدعوه ليجيبك ، حين تستغفره سيغفر لك ،حين تطلب عونه سيعينك ، لأنه الأقرب منك , من جهودك وآمالك و الأدرى بإنسانيتك ، إنه القريب الذي سيمدك بالقوة وبالطاقة وبالأمل ، حين يحاول الجميع تحطيم إرادتك – حتى أنت نفسك- ؛ ولكي تبصر طريقك عليك أن تبحث عنه ،عن النور، لأنه هو الذي سينير دربك – سبحانه وتعالى -… قم من سباتك ، جاهد في العودة إلى ذاتك و الغوص في أعماق قلبك لتجدد إيمانك ، حاول أن ترقى بوجدانك و ترهف من أحاسيسك ؛ بهذا ستمنح لنفسك أجمل هدية تستحقها إنه التزامها ونقاؤها.
الأمر لن يكون في البداية بسيطا وسهلا عليك ،بل فيه الكثير من المشقة؛ ستنتابك الحيرة لأنك لا تدرك مدى قدراتك ولا ما هي قيمتك الحقيقية ، سيبدو التغيير صعبا و مستحيلا حين تبصر كل تلك الآلام التي تحاصرك وكل ذلك الظلم من حولك ؛ سيكون ذلك اختبارا وتحد حقيقيا لنفسك ؛وتهاونك هو أول عدو لك ,لأنك تعودت على ترك الأمور تسير بكل بسلام , من دون أدنى انتباه لها أو أي محاولة للتحكم في أي شأن يخصك كوقتك ، شؤونك ، كلماتك ، مشاعرك الذاتية…و السبب واضح وجلي : أنت نائم بعينين مفتوحتين ، وبما أنك لست وحيدا في هذا فأنت تشعر أن الأمر طبيعي جدا…ولتقاوم هذا التيار الجارف يجب أن تصحو ، أن تتمتع مجددا بامتلاك قلبك ، أن تنظم وقتك ، أن تواجه مخاوفك ، أن تسعى حثيثا لتنهل من منابع العلم لتبني مداركك وتعمقها . عندما ستصحو ستحترم ذاتك و إخوتك وأخواتك في الله وفي الإنسانية .
الدرب طويل لكن عليك أن تشقه ، لأن الأمانة التي تحملها الأرض والسماوات أبين أن يحملنها وأشفقن منها ، نعم هي مسؤولية ثقيلة ، لكن الثقة بالله تمنح للذي يتخذ الأسباب الطاقة ليتمكن من حملها ؛ فعندما تكون واضحا وملتزما في حياتك الشخصية ستصبح حرا وكريما في تعاملك مع الإنسانية …أمامك تحديات كثيرة تنتظر منك أن تتخذ مواقف صعبة ، أن تتحاور بكل حضارة مع المحيطين بك ، وتصمد أمام التيارات الجارفة ، أن تعدل الكثير ، أن تأبى العيش من أجل السطحيات (القشور) وأن تجعل حياتك مجرد مسرحية هزلية ،كذلك أن ترفض جميع أنواع التحيز والتهميش والتعصب . بصحوتك ستتجلى لك الحريات المزيفة على حقيقتها والتي تستعبد روحك وذاتك يوما بعد يوم …. تعلم أن تقول لا حين تواجه ما لا يمكن تقبله بأي حال من الأحوال …تعلم أن تقف حين ينحني الجميع،وتكون من الذين يحملون ضميرا حيا , فهم لا يخافون من قول الحق في وجه الكذب والجور والنفاق …تعلم أن تضحي من أجل مبادئك وتعطي من دون شروط وتتحمل جميع مسؤولياتك … تحدث إلى العلي الأعلى وكأنك تراه فهو حقا يراك و يسمعك …لتتعلم التواضع و الرحمة.
الإيمان سيمنح لنفسك السلام و ستكون منصفا للآخرين في المكان الذي استخلفك الله فيه , فحبك العميق سيوجهك ملتزما تجاهه و تجاه نفسك و تجاه الآخرين.من حقك أن تحلم بعينين مفتوحتين و بقلب واع و دون هروب من الواقع .
الكاتب: طارق رمضان
الكتاب: Entre l’homme et son cœur
المقال : réhabiter son cœur
قام بترجمته: ليلى يوسف وينتن
جزى الله أخي طارق رمضان على هذا التحليل الدقيق للنفسية العربية ،وعلى دوائه الناجع.وقد وجدت ما قاله في قوله تعالى: »ﻳَﺎ ﺩَﺍﻭُﻭﺩُ ﺇِﻧَّﺎ ﺟَﻌَﻠْﻨَﺎﻙَ ﺧَﻠِﻴﻔَﺔً ﻓِﻲ ﺍﻟْﺄَﺭْﺽِ ﻓَﺎﺣْﻜُﻢ ﺑَﻴْﻦَ ﺍﻟﻨَّﺎﺱِ ﺑِﺎﻟْﺤَﻖِّ ﻭَﻟَﺎ ﺗَﺘَّﺒِﻊِ ﺍﻟْﻬَﻮَﻯٰ ﻓَﻴُﻀِﻠَّﻚَ ﻋَﻦ ﺳَﺒِﻴﻞِ ﺍﻟﻠَّﻪِ ۚ ﺇِﻥَّ ﺍﻟَّﺬِﻳﻦَ ﻳَﻀِﻠُّﻮﻥَ ﻋَﻦ ﺳَﺒِﻴﻞِ ﺍﻟﻠَّﻪِ ﻟَﻬُﻢْ ﻋَﺬَﺍﺏٌ ﺷَﺪِﻳﺪٌ ﺑِﻤَﺎ ﻧَﺴُﻮﺍ ﻳَﻮْﻡَ ﺍﻟْﺤِﺴَﺎﺏِ »