كلود هنري ديبور : كنا منهمكين في الحوار حتى انتهت الفترة الصباحية. لم ندرك أن الشمس أصبحت حارقة، وبدأنا نحس بلهيبها. اقترحت علينا صباح، زوج إدغار، أن نغير المكان. الفناء الضخم الذي كنا موجدين فيه، أعطانا الإحساس بالانعزال. بعد ذلك، طلبت صباح التدخل في الحوار.
صباح أبو السلام : أرى أن الشريعة لم تكن بشكل عام في صالح المرأة، فالتعدد مثلا مباح للرجال ، وليس مباحا للنساء، كما أن الطلاق حقيقة صادمة بالنسبة للمرأة المعاصرة. بالإضافة إلى الإرث، نجد أن الرجل يرث ضعف ما ترث المرأة. وفي المقابل، لا يمكن للمرأة أن تعارض زوجها. لقد ازدادت الفجوة فعلا بين الشريعة، وبين الممارسات الاجتماعية. اليوم، هناك بعض الأصوات تحاول استعادة سيادة الأحكام الدينية. كيف ترون هذا الأمر طارق؟
طارق رمضان: إن الخطاب الإسلامي التقليدي يتبنى مبدأ المساواة في الكرامة والمساواة أمام الله ويستند إلى مفهوم التكاملية على المستوى الاجتماعي. أنا أعارض تماما هذه المقاربة. الواقع هو أننا نكرس التمييز، ونشرعه باسم هذه التكاملية الاجتماعية. فالسيد وعبده مثلا، يقومان بأدوار تكاملية، كما أشرت إلى ذلك آنفا. وبالتالي، يجب أن نذهب بعيدا من ذلك. فقد طالبت منذ فترة طويلة بالمساواة الاجتماعية، والمساواة في الحقوق، والمساواة السياسية، وحتى المساواة في الأجور. فهذا ما يجب أن ندافع عنه وندعو إليه، ليس معارضة للتأويلات المنسجمة للنصوص، بل باسم تأويل النص تأويلا يأخذ بعين الاعتبار السياق العام، ومقاصد الشريعة. إن النصوص الدينية لا تعارض بتاتا هذه المساواة، على عكس ما يدعي بعض الفقهاء أو دكاترة القانون.
صباح أبو السلام: طبعا، لكن ما تفضلتم به يخص تفسير الفقهاء. وبالمقابل، هناك جهاد كبير يتعين أن يقوم به المثقفون، كما يتعين أن يقوم به كل مسلم. أنا أتفق معكم تماما فيما يخص النصوص، فليس هناك نص يقول أن المرأة قاصرة أو أقل أهمية من الرجل.
طارق رمضان: سأذهب بعيدا. لقد دافعت في كتابي « الإصلاح الجذري » عن الفكرة التي تقول أننا في أمس الحاجة اليوم إلى نساء فقيهات ومختصات في القانون، لأن القراءة النسائية للنصوص ليست شبيهة بالقراءة الذكورية. هذه حقيقة لا غبار عليها. ولهذا، فأنا لست متفقا تماما مع مقاربة هذه المسألة من زاوية النوع. فالمسألة على العكس من ذلك، هي مسألة تكوين خاص، ومسألة بيولوجية، ومقاربة فكرية وحساسية من نوع خاص. أرى أن بعض النساء، عندما يقرأن القرآن، يستخرجن منه أشياء تغيب عن الرجل، فهن يملكن ذكاء وحساسية من نوع آخر، كما لهن وجهة نظر مغايرة تماما حيال النصوص.
صباح أبو السلام: ينبغي تشجيع هذا التوجه. هناك عمل في هذا الصدد بدأ يتأسس منذ سنوات في المغرب، بالتعاون مع مدرسة محمد يكن. لقد انخرطت مجموعة من النساء معه من أجل بلورة تفسيرات جديدة للنصوص الدينية. ولذلك فأنا أوافقكم الرأي تماما.
كلود هنري ديبور : هل يمكن صياغة رابط بين هذا التصور للمرأة وبين العلم وإنجازاته؟ يمكن أن نتطرق إلى مواضيع من قبيل كرامة المرأة في علاقتها مع الحمل البديل، وتأجير الرحم، والمساعدة الطبية على الإنجاب. هل يوجد توافق أم لا يوجد بين الوضعية الحالية للعلوم والبحث العلمي والتقدم الحاصل في علم الوراثة، وبين احترام المرأة كإنسان؟ رغم أن هذه الأسئلة الحساسة تحتمل انقساما في الآراء أكثر من بعض الأسئلة الأخرى ذات الصلة بهذا الموضوع ، لكنني أراها جديرة بالطرح والنقاش.
طارق رمضان: كنت أود أن نتحدث عن الأخلاقيات في علاقتها مع العلوم، ليس من أجل فرض حدود أو قيود أخلاقية على العلوم، بل من أجل المساءلة المشروعة للغايات التي تنشدها العلوم. نشهد بالتأكيد بعض التجاوزات فيما يخص قضية العلوم، كما أشار إلى ذلك إدغار موران في كتابه « المنهج ». لقد لاحظت بشكل مباشر هذا النوع من تجزيئ العلوم و المهارات، فنحن لدينا خبراء في أدق التخصصات، لكن الرؤية الشمولية تبقى غائبة. فيمكن لخبير معين مثلا، أن يعطي إجابات علمية وأحكاما أخلاقية في مجال معين وفي موضوع تخصصه المحدد، لكن دون أن تكون له نظرة شاملة وإجمالية فيما يخص الآفاق والرهانات. إن هذه الحقيقة التي تتجلى في تجزيئ المعارف العلمية قد تجر أخطارا كبيرة، لأن في بعض الحالات تكون الأخلاقيات تعمل ضد مصلحتها. وبعبارة أخرى، فاتخاذ موقف حول غاية مجال من مجالات التخصص العلمي، قد ينحرف عن الأهداف الكبرى التي تنشدها العلوم بصفة عامة.
لقد اعترضنا سؤال حول أخلاقيات علم الأحياء في نقاش مع الأصوليين، فيما يتعلق بالمبادئ الأربعة التي وضعها الأساتذة توم بوشام وجيمس شيلدرس، وهي الاستقلالية، والإحسان، وعدم الإذاية، والعدالة. كان الجدل يتركز حول الأخذ بعين الاعتبار أخلاقيات علوم الأحياء في مسألة دقيقة تتعلق بالتبرع بالأعضاء، لكننا تجاهلنا أن جوهر النقاش لا يتعلق بالتبرع أو التجارة بالأعضاء، بل الأمر يتعلق ببلورة تصور حول النفس البشرية، وحول الكرامة، وحول الصحة كذلك. إن الخطاب العلمي والعقلانية المدفوعة إلى أقصى حدود التخصص في المجال الطبي مثلا، وفي غياب رؤية شمولية، أمور تفقدنا التفكير في الإنسان نفسه. أعتقد أن التراث الفلسفي والتراث الديني مدعوان للانخراط في صلب النقاش لئلا تغيب عن بالنا الأسئلة الجوهرية. فهل يمكن أن نرجع خطوة إلى الوراء وندمج في المعارف العلمية المتخصصة نظرة شاملة حول الإنسان والطبيعة وسؤال الأهداف الكبرى؟ أعتقد أن هذا الأمر ضروري، لكن ما زلنا بعيدين كل البعد عن تحقيق ذلك.
من « كتاب خطورة الأفكار: تساؤلات حول كبرى القضايا المعاصرة »- طارق رمضان، إدغار موران
ترجمة : صلاح شياظمي