طارق رمضان: …إن العديد من الفرنسيين الذين أتوا من الضفة الأخرى يجدون صعوبة في استيعاب التاريخ الذي يدرسونه، لأنه لا يتطرق إلى جزء من تاريخهم، وواقعهم. نحن في عمق الجدل حول « التوبة » المزعومة. فلا ينبغي التطرق إلى قضية الاستعمار من نافذة إعلان التوبة من الماضي، لكن يمكن أن نسلط الضوء مثلا على العلاقات التاريخية بين بعض الحضارات التي شهدت صراعات ونتجت عنها أشكالا مختلفة من التعذيب، وعرفت سقوط ضحايا، كما شهدت تحالفات وتحررالشعوب. لقد تشكل التاريخ انطلاقا من العلاقات بين مختلف أنظمة الحكم، وبالتالي من المفروض أن يسلط التعليم العمومي الضوء على تنوع الآراء فيما يتعلق بهذه العلاقات، وبالسياسات بشكل عام كذلك. إن الإقرار بهذه الوقائع المتعلقة بترابط الحضارات، وتداخلها، وبموازين القوى بأكبر قدر ممكن من الموضوعية، سيكون له بالتأكيد أثرا حقيقيا، كما سبرز الطابع المركب للكونية داخل فضاء التنوع، والطابع البشري الذي يحكم العلاقات السياسية وموازين القوى.
إدغار موران: لقد أتيتم على ذكر مفارقة جيل فيري: الاستعمار والمدرسة للجميع. لكن هناك مفارقة أخرى. تنص الثورة الفرنسية على مبادئ جوهرية تكتسي طابعا إنسانيا وكونيا، حيث لكل إنسان مهما كان أصله ودينه وعرقه وسنه وجنسه الحق في الكرامة. لكن هذه المبادئ بقيت حبرا على ورق ولم تطبق، وقمنا بإعادة استعمار الكاريبي. لقد حاول الغرب أن يتلاءم مع الكونية والإنسانية، لكنه أقصى منها المستعمرين: » إنهم أطفال كبار، لا يملكون الأهلية ليتمتعوا بحقوق الإنسان » . لقد حققنا هذا الإنجاز الذي نزعم من خلاله أننا أصحاب الكونية، لكن دون أن يستفيد منه الآخرون. وهذا ما يجب أن نتجاوزه.
إن سر نجاح العلاقة مع الآخر هو الاعتراف به وتقديره. فكل إنسان يحتاج أساسا إلى قدر من الاعتراف. فهي من الحاجيات الأساسية التي نجدها عند أطفال الضواحي، وعند المضطهدين، والمقهورين وكذلك عند الفلسطينيين. يجب إذن العمل على نشر ثقافة الاعتراف بالآخر. النقطة الثانية الجديرة بالأهمية بالنسبة لي،بحكم أننا نتحدث عن التنوع، هي الأنثروبولوجيا. إن جميع البشر متساوون في الخصائص الوراثية والتشريحية والفيزيولوجية والدماغية والعاطفية، وفي نفس الوقت يختلفون في أمور أخرى.أليس هذا الأمر مذهلا؟ ليس هناك شخص يشبه آخر، فكل شخص يملك مزاجا وسلوكا، ورأسا، وعيونا لا تشبه الآخرين…ليس هناك اختلافات بين الأشخاص فقط من هذا القبيل. فالثقافة مثلا لم تكن ثقافةواحدة، بل هناك اختلاف في الثقافات، واللغات، والأذواق الموسيقية. وبالتالي، فالبشرية تنتج التعددية التي تعتبر عنصرا حيويا. أؤكد مرة ثانية أن سر الوحدة هو التنوع، وسر التنوع البشري هو الوحدة. فبمجرد ما نتجاهل الوحدة الإنسانية، فإننا ننغلق على أنفسنا، وتصبح الكونية في وضع حرج، وبمجرد أن نتجاهل التنوع الإنساني فإننا ندخل في التجرد الأعمى، الشيء الذي ينتج عنه القهر. يجب إذن تدريس هذه المبادئ المهمة إضافة إلى مبدأ الاعتراف بالآخر.
كلود هنري ديبور :يبدو أننا تقدمنا في هذا الموضوع، ووصلنا إلى فكرة إدماج ما هو مشترك بيننا، دون تجاهل مسألة التعددية. لقد كنا بالأمس القريب نرغب في تكريس هذه التعددية انطلاقا من الفوارق المتبادلة، لكن دون استيعاب هذه الفوارق. كان الأمر مبدئيا كافيا، وكنا نعتقد أننا سنجني منه ثمارا طيبة. كان سيكون كذلك لو انفتحنا عن الآخرين وابتعدنا عن الفردانية المنغلقة. لكن الأمر كان مجرد ادعاء، ولم يكن اقتناعا. اليوم، تؤكد إليزابيث بادنتير، فيما يتعلق بوضعية المرأة، أن المهم ليس في إحصاء الفوارق بينها وبين الرجل، بل يجب خلق روابط تقوم على الإرث المشترك بينهما، والعمل على الدفاع عن هذا الإرث. فما هي أوجه الشبه بينهما، وما هي الأمور التي تتيح للرجل والمرأة الاجتماع حولها؟ لا نريد الحديث عما يفرقهما، لكن ما يوحدهما حتى نتمكن من تحقيق المساواة. هذه هي النقطة الأولى التي أود أن تتحدثوا عنها، فما يمتلك الجميع من خصوصيات هي هذه الطبيعة الإنسانية التيتعارض الحرب بين الجنسين.
إدغار موران : حول قضية الرجال والنساء، لن أقول أن هناك فقط إرث مشترك بينهم. بل هناك ما هو مشترك بينهم وهناك كذلك فوارق. لقد شهدت الحركات النسائية في فرنسا مرحلتين أساسيتين. المرحلة الأولى تقول أن النساء والرجال متساوون في الحقوق ومتشابهون. هذه المرحلة سميت على سيمون دي بوفوار (beauvoirime)، التي تقول أن » المرأة لا تولد امرأة، بل تصبح كذلك ». والمرحلة الثانية شهدترفع شعار حرية النساء، التي تقول أن النساء لسن شبيهات بالرجال، لكنهن يطالبن بنفس الحقوق. أظن إذن أن الحقيقة الأولى المرتبطة بمرحلة سيمون ديبوفوار،يجب ربطها بحقيقة خصوصية المرأة،فكلا الأمرين يصبان في المطالبة بحقوق المرأة.
طارق رمضان: إن السؤال الذي طرحته إليزابيث بادنتير يكتسي أهمية جوهرية لدى جميع الأديان، كما يوجد في قلب اهتمامات الفكر الإنساني. إن العلاقة بين الرجل والمرأة مرتبطة بشكل مباشر بنظرتنا إلى الإنسان. نحن أمام قضية تجمع بين الوحدة، والتشابه والاختلاف. فهل يمكن أن نبرر باسم الاختلاف بعض المعاملات التي تتسم بالتمييز بين الجنسين؟ في الشريعة الإسلامية مثلا، تعتبر النساء شقائق الرجال، والبعض يكمل الآخر. قد تتساءلون عن هذه التكاملية بين الرجل والمرأة في الإسلام، خاصة إذا قرأتم ما يقوله هيجل عندما قال أن التكاملية مفهوم غامض، وأن العبد وسيده يحققان هذه التكاملية! قد تبرر إذن هذه التكاملية العلاقات السلطوية المبنية على السيطرة بين « الرجل الحر » و »المرأة الخاضعة » . يجب أن ننتبه إذن إلى بعض المصطلحات التي نستعملها والتي تبدو إيجابية، لكنها قد تبرر كل شيء.