جاء الكتاب في سياق دولي يتسم بالاضطراب على جميع المستويات، لا سيما في سياق الأحداث الأخيرة المؤلمة التي وقعت في فرنسا، الأمر الذي أعاد الجدل حول الجاليات المسلمة المقيمة في الغرب والتي ما زالت تواجه مشاكل عديدة من قبيل الاندماج و سوء الأوضاع الاجتماعية بشكل عام.
لقد كانت الظروف الدولية التي يمر منها العالم خصوصا المتعلقة بالأمن هي الدافع الرئيسي لتأليف الكتاب، حيث يحاول الكتاب إيصال فكرتين أساسيتين للقراء:
الفكرة الأولى هي ضرورة صياغة خطاب واضح انطلاقا من المرجعية الإسلامية، من خلال توضيح بعض المفاهيم التي تثير الجدل بشكل كبير، من قبيل مفهوم الشريعة والشهادة والجهاد والمقاومة، إلخ… يتعلق الأمر بمحاولة للرجوع إلى الأصل من أجل توضيح هذه المصطلحات، مع ضرورة تبيئتها وتحيين مضامينها لتتوافق مع مقاصد الشريعة التي تأخذ بعين الاعتبار السياق والظروف العامة. إنها دعوة للجاليات المسلمة من أجل إعمال الفكر والعقل والاجتهاد حسب ظروف الزمان والمكان، دون انغلاق ودون تبني العقلية الدوغمائية الحرفية.
الفكرة الثانية هي دعوة الجاليات المسلمة المقيمة في الغرب إلى تجاوز ما يسمى « الاندماج » في المجتمعات الغربية، وتجاوز عقلية الضحية التي تحول دون المساهمة بشكل فعال في المجتمع.
يتألف الكتاب من أربعة أجزاء. يحاول الكاتب في الجزء الأول عرض الأسس التي تقوم عليها رسالة الإسلام لأن هذه الخطوة » تعتبر ممرا إجباريا بالنسبة للمسلمين أو غير المسلمين نساء ورجالا، الراغبين في التحاور والعيش المشترك، والعمل معا على تغيير هذا العالم إلى الأفضل » على حد قول الكاتب . هذا الجزء الأول ركز بجلاء على الأبعاد الروحية للإسلام، فضلا عن أبعاده الإنسانية والسلمية.
تطرق الكاتب في الجزء الثاني إلى ضرورة العمل على إزالة اللبس الذي لحق ببعض المصطلحات وبعض المفاهيم الأساسية، من بينها الشهادة والشريعة. هذا العمل التفكيكي سيمكن المسلمين من التفكير بشكل أعمق في الروحانية الإسلامية، وما تتطلبه منهم من حيث التفكير والاستيعاب والجهاد والانخراط في قضايا المجتمع. هنا أيضا، يذكر الكاتب أنه لا يجب تخطي هذه المرحلة التي تقتضي التذكير بالمبادئ الأساسية، قبل الانخراط في التفكير حول وضعية النساء وتحررهن، وهو تفكير يفرض نفسه بعيدا عن القيود الثقافية، وبعيدا عن الأغلال التي يفرضها النهج الحرفي النصوصي. وينطبق الأمر نفسه على قضية الثقافة والجماليات والانخراط في قضايا المجتمع. هذا الجزء تطرق إلى كل هذه القضايا بوضع أسس التوجه النظري بداية، دون تجاهل الواقع والمشاكل الحقيقية التي يواجهها المسلمون اليوم. المشروع الذي يدعو إليه الكاتب لبناء حضور إسلامي متزن هو المقاومة والإصلاح.
في الجزء الثالث من الكتاب تم التركيز على قضية تحظى بأهمية قصوى في عصرنا الراهن تتعلق بالجهاد والقتال، وقد عرض الكاتب بشكل مستفيض نظرة الإسلام إلى قضيتي السلام والقتال، وكيف يمكن تحديد أخلاقيات القتال في الإسلام للرد على التصورات الخاطئة والمجنونة التي تدافع عنها بعض التنظيمات الإسلامية (كتنظيم داعش أو ما يسمى ب « الدولة الإسلامية » المزعومة في العراق و سوريا) والتي تدعو إلى العنف والقتل دون أي مسوغ شرعي، وقد بين الكاتب بالتأصيل أن أخلاق الإسلام المتعلقة بالقتال تستجيب لشروط صارمة، كما أن الجهاد يعتبر مقاومة تهدف إلى إقامة العدل وإرساء السلام وليس إلى العنف ونشر الرعب. كما أكد أن رسالة الإسلام تقر بمشروعية الكفاح المسلح الذي يهدف إلى مقاومة الظلم من أجل إرساء العدالة والسلام، وأن الدفاع المشروع عن النفس يجب أن يستجيب لبعض الشروط التي تحدد آداب وسلوكيات الحرب.
تطرق الكاتب في الجزء الرابع والأخير من الكتاب إلى المسلمين ذوي الجنسيات الغربية، وأكد على ضرورة تجاوز عقلية الضحية التي تتجلى في الشكوى وإلقاء اللوم على الآخرين، ودعا المسلمين إلى العمل على تدبير أمورهم بشكل جيد، والوعي بالمسؤوليات الملقاة على عاتقهم، من خلال وعيهم بحقوقهم كذلك، في أفق المساهمة في نهضة شاملة حتى تكون لهم قيمة مضافة حقيقية في المجتمعات الغربية، كما أعاد التذكير بضرورة فهم خطاب الإسلام على ضوء الواقع الغربي. بعد ذلك، أكد على العمل من أجل وضع رؤية ذات أولويات محددة ومنهجية واضحة، بشراكة مع المواطنين الغربيين من مختلف الأديان، وحتى مع المواطنين الذين ليست لهم معتقدات دينية،وأكد قائلا : » لا ينبغي إذن أن نبقى منعزلين وسلبيين، فالتجارب التي مر منها المسلمون الغربيون على مر التاريخ يجب أن تدفعهم إلى تجديد قراءتهم للنصوص الدينية وتغيير أفكارهم، وإلى استيعاب الغرب بتاريخه وذاكرته ومكتسباته وصدماته، كما ينبغي أن يضعوا كل الأمور في سياقاتها، ويقوموا بعد ذلك بتحديد الأولويات. هناك فعلا العديد من الأمور الإيجابية التي أصبحنا نراها في الواقع، لكن لا نسمع عنها إلى نادرا؛ هذه الأمور تساهم بشكل إيجابي في تحقيق الإصلاح المنشود الذي ستتضح رؤيته قريبا في الغرب. »
هذا الكتاب إذن هو بمثابة دعوة المسلمين المقيمين في الغرب إلى الانخراط في هذه الأوراش بالغة الأهمية من خلال مواجهة كل أشكال الإقصاء والعنصرية ومعاداة الإسلام السائدة من جهة؛ وإلى الانخراط في قضايا المجتمع على المدى البعيد بكل صبر وإصرار على ضوء رؤية وغايات واضحة، من جهة أخرى.
صلاح شياظمي
ينشر قريبا عن دار أفريقيا الشرق