نادرا ما نتحدث عن هذا الأمر، ونادرا ما نعبر عنه. كما لو كان هذا الموضوع ثانويا، يقل أهمية عما يشكل الأساس، والقاعدة، والحلال والحرام، أو الأحكام بشكل عام. يدخلونك فضاء الإسلام كأنك تدخل فضاء ملغوما، وينتهي بك الأمر بالخوف والتوجس من توظيف ذكائك وعقلك، في حين أنك كنت تبحث عن قوة الروح. فعندما تكون محبا للنور وباحثا عنه، فإنك تصطدم بالعديد من الجدران. إنك تحس جيدا أنك في حاجة إلى شيء ما، وأن قلبك يشكو، ويتعطش إلى أشياء أخرى، رغم جميع التعاليم.
نادرا ما نتحدث عن ذلك، رغم أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكف عن التذكير بهذا الأمر. لقد جسد النبي، عليه الصلاة والسلام، رسالة الوحي، وتشرب معانيها وجوهرها، ومنحنا المفتاح وهو أن نتعلم محبة الله تعالى، ومحبة سائر خلقه. لن تستوعب الشيء الكثير من هذا الأمر، بل قد لا تستوعب شيئا، إذا لم تكن على علم بمسارات القلب والقرب. إن الحب من أبسط التعاليم ومن أصعبها في الآن ذاته، لأنه يمنحنا القوة، ويساعدنا على تجاوز هشاشتنا، فهو طريق التوازن والتناغم، فنحن نتعلم الحب لتحقيق رؤية أفضل، دون أن يكون هذا الحب أعمى.
الله. إن محبتك له هي شهادة يومية لقلب يبحث عن النبع الصافي، وعن الحياة الحقيقية. الذي يحب الصمت يعرف كيف يعيش خلوته، ويحاول جاهدا استيعاب آيات الله تعالى بمجملها، انطلاقا من آيات الكون وصولا إلى كتاب الله، والتي تتجلى في سجود النجوم والشجر، ودعاء الطيور، أو في معاني كلام الله تعالى المنزل في كتابه. إن محبة الله تعالى تقتضي محبة رسوله، والاقتداء به، واستحضاره، وتخصيص مكانة خاصة له في قلوبنا. أخي، أختي، لنجعل له مكانة خاصة في أعماق قلوبنا.
إن الله تعالى يحبّ الذين يحبّونه. ولذلك يجب أن نتعلّم، أفرادا وجماعات، هذا الحب، القائم على التواضع، والذي يتطلّب منا مجهودا كبيرا. إن الحب قضية أمة. الحب قضيتك. لقد تحدث الوحي في العديد من المناسبات عن الحب، كما ذكّر به النبي، عليه الصلاة والسلام، مرات عديدة. كن محبّا لأختك، لأخيك، اصحب الناس بنظرتك، وباهتمامك، وبصبرك، وبكرمك. إذا بدر منه سلوك لم يعجبك، ذكّره أن حبّك له مازال قائما. لنعبّر عن حبّنا في أغلب الأحيان، في كل يوم، وبدون كلل أو ملل.
أحيانا، يحدث أن تكون في حاجة إلى سماع صوته، أو الجلوس بجانبه، لتكون محل نظره، وقريبا من قلبه، لتحس بحرارة اللقاء تحيط بك وتحميك، أليس كذلك؟ هل تعلم أن الله تعالى سينادي يوما : » أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي ». تعلّم أن تحبّ، أخي، أختي، تعلم أن تعبر عن هذا الحب، وتكرّر كلمات الحبّ…لكل هؤلاء الذين رافقوك في حياتك، والذين لم تعد تراهم…لأمك، أو أبيك، أو أخيك، أو أختك، أو زوجك، أو أصدقائك. الحب والمحبوبية مسلكان لتحقيق القرب من نور الله تعالى. لا أعرف شيئا آخر أكثر أهمية من هذا الأمر. قوّتي أن أقول لك أني أحبّك، وأنّني محتاج إلى حبّّك، بدون حدود، لأشرب منه حتى أرتوي. إذا حقّقنا هذا الحبّ، تحققت محبّة الله تعالى فينا. هذا هو موعوده.
مقطع من كتاب : » بين المرء وقلبه »، ص 13.
طارق رمضان