طارق رمضان
ليس الغرضُ من هذا الكتاب الدّفاعَ عن نفسي. وليس دعوةً كذلك للشّفقة على مصيري. إنه قِصَّةٌ صريحة وصادقة، تَعْرِضُ فصول المحنة الشّديدة والقاسية التي تعرضت لها.
لقد قُمْتُ في الصفحات الآتية بتدوين أفكاري ومشاعري التي كانت تسكنني منذ ٢٠ أكتوبر ٢٠١٧ (وهو تاريخ أوَّل شكاية قُدِّمَتْ ضدي واتُّهِمْتُ فيها بالاغتصاب) حتّى اللّحظة التي أكتب فيها هذه السطور في أبريل ٢٠١٩. سنةٌ ونصف غَيَّرت كل شيء في حياتي وفِي محيطي، كما لو كنت قد تعرَّضتُ لإعصار هائل. تسعةُ أَشْهُرٍ ونصف في السجن، وطوفانٌ إعلاميٌّ لا يعرف الشّفقة، وأسرةٌ مهزوزةٌ، ومعاناةٌ شديدةٌ، ودموعٌ غزيرةٌ، إلى جانب العديد من التساؤلات. ناهيكم عن حالتي الصحية التي ساءت بشكل خطير، إِذْ إِنَّ أعراض مرض التَّصَلُّب اللُّوَيْحي اجتاحت جسدي بكامله. فطيلة عام كامل لم أتمكن من المشي إلا بواسطة دَعامة تساعد على المشي، وكانت آلام الرأس تتصرف بالتناوب كالفأس على رأسي، كما كانت ذاكرتي تخونني في أغلب الأحيان، وكنت أشعر بألم الالتهاب في الساقين، وكان نومي مُشَوَّشًا بفعل هذه الفوضى.
لقد تطرّقتُ إلى مختلف مراحل هذه القضية وِفْقَ تَسَلْسُلِ الأحداث. لقد أخذتني الحراسة النّظرية التي قضيتها في نهاية يناير ٢٠١٨ إلى واقع آخر، وأدخلتني إلى عالم كُنْتُ أجهله تماما. إنه عالم الشرطة، والقضاة، والسجن، والعزلة الكاملة. والواقع، أنني منذ أكثر من ثلاثين سنة، كنت معتادا على السّفر مرة واحدة أو أكثر في الأسبوع، وكانت حياتي تَعْرِفُ أنشطةً مُكَثَّفَةً، وهاهي هذه الأنشطة تتوقف فجأة. لقد كنت مسجونا ووحيدا، رُفْقَةَ نفسي، وخالقي، وحياتي، وأفكاري. ولهذا،، أَرَدْتُ في هذا الكتاب أن أحكي تجربتي، وأترجم مشاعري، وأكشف تأملاتي، وقناعاتي، وجروحي على حَدٍّ سواء.