هذا مقطع من حوار بين طارق رمضان وإدغار موران.
إدغار موران : أضيف أنني قمت بتطبيق هذه القدرة الخَلاَّقة على الأيديولوجيات، بحكم أنني كنت مُنْضَمّاً إلى نوع من أنواع المُعتقدات خلال سنتين أو ثلاث سنوات من الحرب، عندما كُنت شُيُّوعيا! لقد كان الأمر يتعلق فعلا بمعتقد ديني، أو دِين الخلاص الأرضي. وعلى غرار كل دين من الأديان الكبرى، كان لهذا الدِّين الشُّيُّوعي جَلاَّدُوه وشُهداءه وقِدِّيسوه، وقد كُنَّا رجالا ونساء يَحْدُونا أَمَلٌ لاَمُتَنَاهٍ لم نَعْقِدْهُ على السماء بل عقدناه على الأرض. يمكن أن أقول أنني عِشت تجربة دينية وتجاوزتها. في صلب هذه التجربة، أَضْفَيْنَا على هذه الأيديولوجية طابع السُّمُوّ، وسنوات بعد ذلك استنتجنا أن هذه الشيوعية التي أنتجت الملايين من المناصرين والشهداء والأبطال والقتلة ماتت ولا أحد صار يعتقِدُ فيها. النازية كذلك كانت معتقدا دينيا، في قمة الانتشاء والوحشية، لكنها كانت معتقدا. إذاً، أنا أطرح على نفسي إشكالا يرمي إلى استيعاب القُدُرَات الخَلاَّقَة التي يملكها العقل البشري، من خلال اختلاق الديانات والآلهة التي تحظى بقوى لا تُصَدَّقُ.
طارق رمضان : هل تكون الروحانية البشرية هي التي خلقت هذه الأديان؟
إدغار موران : نعم. إنها عقول جماعة ما. إن قُدرات العقل لا تُصَدَّق، فنحن قادرون على القيام بالهلوسات والرؤى وخلق عوالم افتراضية- مثل بالزاك- في تخيلاتنا وأحلامنا، كما نملك القدرة على خلق شخصيات نخترعها ونعيد خلقها، كما أن هناك بعض قدرات العقل مجهولة، ولم نَقُمْ باستغلالها بَعْد، والتي يمكن أن تتطور ربما في حضارات أخرى.
طارق رمضان : سنرجع بالتأكيد إلى اختلافنا الجوهري : وجود الله من عدمه، والعلاقة التي تربطنا به…
إدغار موران : ألا يكون أنا من خلق هذا الإله الخالق؟ قد نَجِدُ الجوابَ كله هنا!
طارق رمضان : لا أظن ذلك. إن اللغز الذي تستندون إليه نجده في الأديان التوحيدية الثلاثة فيما يَخُصُّ الإله وعلاقتنا بوجوده. إذا تحدّثنا عن المؤمنين، سنجد وصفهم في القرآن ب : «الذين يؤمنون بالغيب». يعني باللغز. هكذا، فالمؤمن لا يسمح لنفسه أن يقول عن الله ما لم يقله عن نفسه، وبعبارة أخرى، لا يمكن أن نقول شيئا من عند أنفسنا، لأن الوحي هو الذي يحدّثنا عن الله شيئا ما. إنها حقيقة أساسية في العُرْف الإسلامي، إِذْ شرارة وجوده تسكنُ فينا ونستشعرُها قَلْبِيّاً. رغم ذلك، لا يوجد لفظ من صنع البشر أو من ذكاءنا، يمكن أن يكون قريبا من معنى هذه الشعلة. هناك آية قرآنية جميلة جدا، يستشهدُ بها الصوفية في الكثير من الأحيان والتي تعبر بالصورة عن هذه الفكرة: « اللَّه نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ». وهنا يَكْمُنُ الاختلافُ بيننا. من المنطقي أساسا أن تظنون أن الإلهَ يمكن أن يموت مع مرور الزمن، على غرار الآلهة الإغريقية وجميع الديانات مُتعددة الآلهة. رغم ذلك، أظن أن هذا الخالقَ الواحدَ سبق آلهة الحضارات وسيبقى حيّا بالتأكيد، لأنه فوق ما يعتقد الإنسان، وفوق ما بناه وما قام به من إسقاطات.