مقاطع حوارية حول القضايا الانسانية (2)

هذا مقطع من حوار بين طارق رمضان وإدغار موران.

إدغار موران : […] لكن هذا لا يمنعني بتاتا أن يكون لديَّ شعور يمكن أن أصفه ب »الرُّوحاني » أو الديني حول اللغز الذي يَلُفُّ حقيقة هذا الكون، إِذْ كُلَّمَا امتلكنا معلومات علمية أكثر، اكتشفنا أن العالم أكثر غموضا وغير قابل للتفسير. أظن أن هذه القضية لا تزال تَلُفُّهَا العديد من الغَيْبِيَّات، ولو كنت أملك إيمانا لكان إيمانا بالأخوة والأمل في إنسانية أفضل. غير أنّي لا أملك يقينا في إمكانية تَحقيق هذا الأمل في يوم من الأيام، وأنظر في إمكانية فشله، كما يمكن أن تفشل في الآن ذاته المغامرةُ البشريةُ على هذه الأرض. ولذا، فليست التجربة الروحانية هي التي أستبعد هنا، لأنّني أرى نفسي مسكونا بشكل كبير بهذا الشعور الروحاني، عندما أكون أمام الطبيعة، أو وجه جميل، أو فراشة، أو عندما أتأمّل في القمر الذي يظهر ليلا. أنا أملك إيمانا بالفعل، لكنّه مصحوبٌ بعقلانيةٍ نقديةٍ لا يمكن أن تقبل بالوحي أو بالإيمان بالإله.

كلود هنري ديبور : هذا يعني أنكم لا تتقاسمون فكرة إله ذاتيٍّ و مُجَسَّمٍ ومُبْدِعٍ لهذا الكون. أستنتج من ذلك أن الشُّعور الدينيّ يَحْظَى بِطَابَعٍ شِبْه كونيّ؛ الأمرُ الذي لا يُعارضُ فكرة ميرسيا إيلياد، لكنه يختلف كثيرا عمّا نسمّيه، شيوعا، « الإيمان ». إن التطلع إلى شكل معين من السُّمُوِّ الرُّوحي لا يعني تقاسم فكرة الاعتقاد، حتى وإن لم تندرج هذه الأخيرة في إطار منظومة من المنظومات العقائدية. أستند هنا إلى تصوُّركم السبينوزي، دون أن أنسى الإشارة إلى أنه لم يكن إطلاقا مُنَظِّرًا للإلحاد كما يعتقد بعض المفكّرين، كما أحتفظ بهذا الميول إلى الرُّوحانيات لأسأل طارق رمضان، أولا، عن العلاقة التي يربطها بين الإيمان واليقين، ولِيُوَضِّحَ لنا ثانيا، علاقته بالإيمان التي تندرج في إطار فكرة إله ذاتي ورسالة إلهية، وما ينطوي عليه هذا الإيمان، أخيرا. ما الرابط الذي يحكم الإيمان، وما الذي يفترضه العقل ؟ إنهما يبحثان عن حقيقة ما، لكن هل يمكن إثبات هذه الحقيقة بشكل نهائي؟

طارق رمضان : لقد قام إدغار موران بتسليط الضوء على مجموعة من النقط بالغة الحساسية في نظر كل من يملك إيمانا بإله أو بكائن سامٍ. أرى أن هناك أمرين يطرحان إِشكالين. يتعلق الإشكالُ الأوَّلُ بالأديان التوحيدية التي تتجلى في الإسلام والمسيحية واليهودية، إِذْ إِنَّ التوحيد الذي يعني الإقرار بوحدانية الله، لم يظهر بعد الشِّرك ( الاعتقاد بتعدّد الآلهة)، فالشِّرْكُ يقابله تاريخيّاً نَفْي السُّمُوِّ الإلهي الأوحد، ونفي التَّوحيد الذي يعتبر مبدأ مؤسِّساً. ومن ثمَّ، تعكس هذه الأديان التي نزلت وحيا من الله مُصالحة مع الأساس الأوّل الذي يُعَدُّ مُكَوِّناً للكائن البشري، وجزءًا لا يتجزَّأ من « بنية الوعي الإنساني » ، بالمعنى الذي أبرزه ميرسيا إيلياد. في البداية، كانت الأديان الثلاثة تتفقُ على أن الإنسان كان مُوَحِّدا في بداية الأمر، وأن إبراهيم كان مُوَحِّداً قبل نزول الأديان الثلاثة. انطلاقا من هذا الرأي، نجد كلامكم مهما جدا، لأنه من وراء مفهوم الإيمان بإله سامٍ ، نستخلص حتّى من صلب الأفكار التي عرضتموها، تصورا معينا للإنسان والتاريخ. هذا يعني أن الإنسان مرَّ عبر التاريخ من معتقدات يمكن أن تكون بَدائية وأساسية فيما يخص تجربة العقل، إلى تجربة روحية تشكَّلت حسب ظروف الزمان، حتى جاءت مرحلة الوحي، وقام الناس، في نهاية المطاف، باكتشاف التوحيد.

(L’urgence et l’essentiel, Tariq Ramadan et Edgard Morin, Les presses de Châtelet 2017)

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا