مقاطع حوارية حول القضايا الانسانية

« إدغار موران : بداية، عندما أنظر إلى تاريخ الأديان الكبرى، ألاحظُ أن إسهامها كان غامضا ومتناقضا للغاية، ولا يمكن لي أن أنتزع منها الأفضل وأرفض الأسوأ. وبالنسبة إلى كُلّ ما هو إنسانيّ، أُقَدِّرُ أن الإنسانية المُتَجَدِّدَة تُقَدِّمُ بالضّبط أجوبة جوهرية لا يمكن أن نجدها بسهولة داخل الإطار الديني. هناك شكلان من الإنسانية، الشكل الأول يتعلق بكبرياء الإنسان الذي يريد أن يهيمن على الطبيعة، والشكل الثاني نجده عند مُونْتِين (Montaigne) ، على سبيل المثال، الذي يقول إِنَّهُ يرى في كل إنسان ابنَ وَطَنِه، كما نجد ذلك في الشفقة التي أَبْدَاهَا تُجَاه هُنُود أمريكا المُضْطَهَدِين؛ كما أرى هذه الإنسانية متجسِّدَة عند مونتيسكيو الذي يقول : « إذا كان هناك أمرٌ نافِعٌ لبلدي وضارٌّ للإنسانية، فلن أقوم به.» كما أرى ظهور هذا النّوع من الإنسانية في الإعلان عن حقوق الإنسان ( الذي تجاهل مع الأسف المرأة!). إن أساس هذه الإنسانية يقوم بداية على الاعتراف الكامل بالقيمة الإنسانية لجميع الكائنات البشرية كيفما كانت.[…] يضاف إلى ذلك أمرٌ مذهلٌ، حيْثُ يملك البشر وحدة جوهرية في تنوعهم الجوهري، وهذا يعني أنهم يملكون القدرات نفسها المتعلقة بالألم والاستمتاع والشُّعور بالسّعادة، رغم اختلاف مُعْتقادتهم وطقوسهم. إن كنز البشرية هو الوحدة داخل التّنوُّع والتّنوُّع داخل الوحدة. وبين قوسين، ولهذا السبب، فإن حقيقة تَعَدُّدِ الآلهة هي رؤية التنوُّع وحقيقة التوحيد هي رؤية الوحدة! وأنا أريد التّوفيق بينهما!

طارق رمضان : […] لا أحد له الحق في احتكار » الإنسانية »، المحتفلة بنفسها، والتي من شأنها أن تُقَرِّرَ قبول أو رفض ما يأتي من هذه الحضارة أو الثقافة أو تلك. هذا الموقف يمكن أن يكون خطيرا، وشبيها باستعلاء المُسْتَعْمِر. أرى أن الإنسانية تُوجَدُ على نفس المسافة من جميع الفلسفات والروحانيات والأديان، فلا يمكن أن تُولَدَ أو تَتَشَكَّلَ إلا من خلال الإسهام التاريخي الذي راكمه الجميع، ولا يمكن أن تتشكل إلا بمساهمة الجميع. إن المجتمعاتِ الحديثةَ غارقةٌ في ثقافة الاستهلاك التي تجعل من الإنسان وسيلةً للإنتاج والتسويق والشراء والربح : فهل هذا الأمر يتوافق مع الإنسانية في جوهرها؟ بَدَلَ إقصاء الروحانيات بشكل منهجي من خلال التركيز على مناطق الظل أو من خلال النظر من قمة حضارتنا المُعْجَبة بنفسها، ألا يكون من الحكمة والعقلانية الإنصات إلى ما تقوله عن الإنسان وما تطرحه من أسئلة جوهرية؟ هناك بعض الإنسانيين من الدوائر العقلانية والتيارات الحداثية، الذين يحتفلون بالروحانية دون الاستناد إلى إله أو دين، يسمحون لأنفسهم باحتكار الانفتاح العقلي والإنساني، ويبدون نوعا من الازدراء تجاه الأديان. هذه الإنسانية المستعلية مثيرةٌ للقلق. أظن أن مسؤوليتنا تقتضي التذكير أن الإنسانية هي نتاج إسهام الجميع، كما أنها تبدأ مع تواضع كل واحد منا. »

طارق رمضان، إدغار موران : القضايا الإنسانية الطارئة والجوهرية –

(L’urgence et l’essentiel, Tariq Ramadan et Edgard Morin, 2017)

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا