يبقى أننا نشهد تحولا جوهريا للعمل السياسي. فالوسائل التقنية وقوة شبكات التواصل والإعلام زادت من سِيادة السياسية الانفعالية أو سياسة العواطف، التي أفقدتنا جماعيا معنى المسؤولية المواطنة والديمقراطية، فهناك حركات جماهيرية تُحَرِّكنا وتَدْفَعُنا لتكريس مشاعر الخوف وترسيخ فكر الضحية وتقودنا إلى نوع من التجرد من المسؤولية الفردية والجماعية. في هذا الصدد، أتقاسم أطروحات كتاب نعومي كلين حول « عقيدة الصدام»، أو «استراتيجية الصدام[1]»، إذ وَضَّحَتْ كيف يقوم بعض الاقتصاديين الذين يَتَّبعون منطق ميلتون فريدمان، بنشر الرعب والخوف السياسي لفرض علاجات اقتصادية لييرالية على أعلى المستويات. ليس هناك شيء متروك للصدفة، وكل السياسات الانفعالية غير المُهَيْكَلَة تُدْمَجُ بشكل مُهَيْكَلٍ في إطار استراتيجية اقتصادية هجومية وعنيفة وتطفلية دون تَرَدُّد. وهكذا يكون الانفعال السياسي في خدمة المصالح والحسابات الاقتصادية. أرى في كل مكان، وعلى نطاق أوسع، صعودَ هذه الديكتاتورية الانفعالية الجديدة التي تقود إلى التخلي عن المسؤولية الجماعية، وبما أن الخوف يَأْسِرُنا سواء كنا مُهَيْمِنِين أو ضحايا الهيمنة، فإننا نكون دائما الضحية المحتملة بسبب «الآخرين».
في الغرب، أو في الجنوب بأكمله، وفي جميع المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة، نجد التّشخيص نفسه : فنحن في مرحلة يُبَرِّرُ فيها الجميع الشُّعور بوضعية الضحية التي تعطيهم الرُّخصة بالتّقاعس واستنكار جميع التهديدات. إنه تراجع في الحقيقة يُعزى إلى التخلي عن المسؤولية الذي يُضاف إلى هاجس ثقافة الحقوق التي لا تتطابق مع أي اعتراف بالحقوق والواجبات.
طارق رمضان، إدغار موران : القضايا الإنسانية الطارئة والجوهرية –
(L’urgence et l’essentiel, Tariq Ramadan et Edgard Morin, 2017)
[1] Naomi Klein, The Shock Doctrine : the rise of Disaster Capitalism, Random House on Canada, 2007