إن الإنتاج الثقافي الغربي يغزو المشهد الثقافي العالمي ويفرض نفسه في الساحة الفنية. فمن الصعب أن تجد نفسك في هذه الموجة العارمة المستمرة من الأفلام والأغاني والموسيقى، لأن الفنون بشكل عام تعيش على إيقاع الإنتاجية والمردودية. وباستثناء هواة بعض التعابير الفنية الموجهة لنخبة معينة، لا يمكن لبقية الشعب إلا أن يخضعوا للأمر الواقع الذي يفرضه السوق، لأن أرباب السوق يتعاملون بمنطق : » هذا المنتوج جيد مادام يدر مداخيل كبيرة ». وفي نهاية المطاف، الكل يبدو جيدا، العنف والجنس والمال، لأنها توقظ مكامن الشر في النفوس، فتدر الأموال… فوراء شاشة « الثقافة الشعبية »، أو « حرية التعبير » يتستر واقع » ثقافة الربح والمال ». إذن الحديث عن الفن والفنانين مربح.
رغم ذلك، سنكون غير منصفين إذا اختزلنا الإنتاج الفني والثقافي الغربي إلى هذا النوع المنحط من الفنون لأن هناك العديد من الأعمال سواء في مجال الأدب أو الرسم، أو السينما أو الموسيقى، تساهم في إثراء التراث الإنساني، وتبقى محط الاحترام لأنها تعكس قيم الكرامة والسلم والانسجام. هناك العديد من الفنانين يعبرون من خلال أعمالهم عن المشاعر الإنسانية والقلبية والروحية، وعن المعاناة والعطاء والتأمل وعظمة الخالق. هؤلاء الفنانون، رجالا ونساء، هم بمثابة قناديل تنور طريقنا وتوجه وعينا وتقوي إيماننا. بين هاتين الحقيقتين، هناك بعض التحديات تنتظر المسلمين في الغرب، نذكر منها :
1. الانتقاء وحسن الاختيار : فيما يخص الإنتاج الفني الغربي، هناك المنتوج الجيد، والأقل جودة، والمنتوح السيء تماما. إذن المسلمون المسلحون بمرجعيتهم وبزادهم المعرفي مدعوون انطلاقا من الشروط التي ذكرناها آنفا فيما يخص الغناء والموسيقى والأفلام والفن بشكل عام، إلى حسن الاختيار وانتقاء المنتوجات التي تستجيب للشروط التي سبق ذكرها[…].
2. المساهمة في التفكير والنقد : ينبغي للمواطنين المسلمين ذوي الجنسيات الغربية والمواطنين الآخرين أن يُسمِعوا صوتهم فيما يخص قضية الفنون والثقافات، من حيث الاستفسار حول جوهرها، ومناقشة القيم التي يجب مراعاتها، ومساءلة المؤسسات المعنية، والمشاركة في الجدل الواسع حول الأخلاق والكرامة البشرية.
طارق رمضان- أضواء على قضايا الإسلام والمسلمين-2016.
Tariq Ramadan, « De l’islam et des musulmans – Réflexions sur l’Homme, la réforme, la guerre et l’Occident », 2014.