باسم الله الرحمان الرحيم. سنتابع مقاربتنا الخاصة بسيكولوجية الأنبياء والمرسلين، سلام الله عليهم أجمعين، ونتوقف اليوم عند الأخوين قابيل وهابيل، لنشهد أول نزاع تحدث عنه القرآن بين أخوين من ذرية آدم عليه السلام. هذا النزاع مصدره أمران أساسيان: المنافسة والحسد. قال تعالى : « واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين ». هنا يتبين أن هناك منافسة في عمل الخير، لكن القبول ليس مضمونا، فأحدهما كان سلوكه محكوما بالحسد والاستعلاء. قال تعالى : » إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين ». وهنا تأتي الغواية، كما تحدثنا عنها أمس، فقتل أخاه، كما جاء في قوله تعالى: » فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين ». بعد هذا الحادث، لم يعرف كيف يدفن أخاه، فجاء قوله تعالى : » فبعث اللّه غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين ». فحتى هذا الحاسد والمستعلي أصبح نادما على ذنبه وما اقترفه في حق أخيه بفضل هذا الغراب، وهذا الأمر بالغ الأهمية، فكل شيء ممكن عندما نتحدث عن سيكولوجية الإنسان وما تنطوي عليه من انفعالاه وتوترات، فالقاتل لم يهتدي بموعظة أو بنصيحة، بل ببركة هذا الغراب الذي بعثه الله إليه. فقبل الحادث كان من الخاسرين، وبعد ذلك صار من النادمين. هذه آيات نهتدي بنورها، فمهما كانت تجاوزات النفس، فالرجوع والندم هو الأصل، وقد يأتي غراب ما يردها عن غيها لتعود إلى رشدها.
لا تنسوا أن تقولوا لمن تحبونهم إنكم تحبونهم، فالحياة هشة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يعود انكسارالحضارة الإسلامية - حسب العديد من المؤرخين- إلى حوالي القرن الثالث عشر، والغزو المغولي. كانت الاضطرابات على طول حدود الإمبراطورية، وهشاشة السلطة، والهزائم...