باسم الله الرحمان الرحيم. تحدثنا بالأمس عن يعقوب عليه السلام، بذكر خصاله وسلوكه القائم على الصبر والثقة في موعود الله تعالى. اليوم، سنتوقف عند ابنه يوسف عليه السلام، لنستخلص معظم الدروس والعبر. قال تعالى في حقه : » لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ ». لقد بدأت مهمة يوسف عليه السلام انطلاقا من الرؤيا التي رآها، التي ستحقق فيما بعد، لأن رؤيا الأنبياء حق، كما سيكون فيما بعد مؤولا للرؤى التي كانت تعرض عليه عندما كان في السجن. من دروس هذه القصة هي الثقة واليقين الراسخ في أمر الله تعالى.، فعندما كان محاصرا في البئر، كان يعلم علم اليقين أنه محفوظ بحفظ الله تعالى.
نجد كذلك في سلوكه بعض الخصال التي ذكرناها آنفا حينما تحدثنا عن لوط عليه السلام. قال تعالى : « وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ». فقد كان يوسف عليه السلام عليما بشؤون الدنيا والآخرة. بعد ذلك، ستبدأ سلسلة المحن التي سيتعرض لها يوسف عليه السلام. قال تعالى : » وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِين ». وهنا يمكن أن نستخلص عبرة بالغة الأهمية وهي أن قوة يوسف عليه السلام لا تكمن في إنكار الضعف الذي قد ينتاب الخلق أجمعين بمن فيهم الأنبياء، جراء الفتن وشهوات النفس، بل في ضبط انفعالات النفس وشرورها بالثقة في الله تعالى، واستمطار عفوه وقوته ورحمته. بالإضافة إلى ذلك، نجد أن يوسف عليه السلام فضل السجن على الاستجابة لرغبات إمرأة العزيز. قال تعالى : « قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ ».
عندما خرج من السجن، جاء قوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام : « قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ». ورغم حديث عهده بالسجن، والمحن التي تتعرض إليه، فقد اقترح على حاكم مصر أن يكون حافظا على أملاكها، لأنه كان عليما بشؤون الدنيا وصادقا وأمينا.
بعد ذلك، سيأتي حدث لقائه بإخوته، وسيعفو عنهم رغم مكرهم وما ألحقوا من أذى بأخيهم. قال تعالى : « قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ». إيمان راسخ، وقدرة على مجابهة المحن والشدائد، وثقة مطلقة في موعود الله، وثبات على المبادئ، وحضور قوي في المشهد، وعوف ورحمة وتسامح تجاه إخوته ؛ هذه من أهم خصال يوسف عليه السلام.
لا تنسوا أن تقولوا لمن تحبونهم إنكم تحبونهم، فالحياة هشة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يعود انكسارالحضارة الإسلامية - حسب العديد من المؤرخين- إلى حوالي القرن الثالث عشر، والغزو المغولي. كانت الاضطرابات على طول حدود الإمبراطورية، وهشاشة السلطة، والهزائم...