باسم الله الرحمان الرحيم. تحدثنا بالأمس عن يوسف عليه السلام، بذكر بعض خصاله وثقته في موعود الله تعالى. اليوم، سنتوقف عند إخوته لنستخلص أهم الملامح السيكولوجية التي كانت تطبع سلوكهم، إذ هناك أمور أخرى تحدث عنها القرآن، لا نشير إليها في أغلب الأحيان. هم عشرة إخوة سيشاركون في محاولة قتل أخيهم، باستثناء أخيهم الأصغر بنيامين الذي لم يشارك في هذه المحاولة، بحكم صغر سنه، ويذكرنا القرآن أن هذه المحاولة جاءت جراء شعورهم بالغيرة من أخيهم يوسف، وما يكنه أبوهم يعقوب من محبة خاصة لابنه يوسف عليهما السلام وأخهيم الأصغر بنيامين.
قال تعالى : » إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ». يمكن أن نستخلص من هذه الآية الكريمة ثلاث عبر بالغة الأهمية. الأمر الأول هو الشعور بالغيرة، فقد كانوا يشعرون أنهم غير محبوبين بقدر محبة أبيهم يعقوب لأخيهم يوسف عليهما السلام. إنه شعور بخيبة أمل وجرح عاطفي أصابهم، كاد أن ينهي حياة أخيهم، بمحاولة التخلص منه. الأمر الثاني هو اعتدادهم بالعدد ( ونحن عصبة)، مقابل اثنين من الإخوة فقط يحظون بمقام خاص عند أبيهم، وهنا نرى جليا كيف حاول إخوة يوسف توظيف قوتهم العددية لإقناع أنفسهم بمشروعية أفعالهم، رغم أنها قد لا تكون بالضرورة محط إجماع، ولكن محاولة الاستمالة نجحت، فأصبحوا يساندون بعضهم بعضا في الشر وإلحاق الأذى بأخيهم، فليس يعقوب عليه السلام هو الذي كان في ضلال مبين كما وصفوه، بل كذبهم وتواطؤهم جعلهم يقتنعون بذلك.
في سياق آخر، قال تعالى : » وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ « . إنه منطق جماعي خبيث مبني على الكذب،والبكاء المصطنع والتمثيل، من أجل التخلص من أخيهم يوسف عليه السلام، كل هذا إثر ذلك الجرح العاطفي الذي شعروا به.
لكن عندما سيكشف الحجاب ويلتقون بأخيهم، انكشف أمرهم وسيهرعون إلى أبيهم لطلب الصفح والعفو والمغفرة. قال تعالى : « قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ». وهنا سيعون حجم ما اقترفوا في حق أخيهم، لكن ندمهم وتوبتهم ورجوعهم إلى طريق الحق سيشفع لهم أمام أبيهم، رغم مدة الفراق الطويلة. قال تعالى : » قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ۖ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ». وهنا نرى مدى محبة يعقوب لأبنائه، فرغم شدة الأذى الذي ألحقوا بأبيهم، بسبب الفراق، فقد كان يكفيه اعترافهم بفعلتهم ليسامحهم ويستمطر فضل الله ومغفرته وعفوه.
لا تنسوا أن تقولوا لمن تحبونهم إنكم تحبونهم، فالحياة هشة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يعود انكسارالحضارة الإسلامية - حسب العديد من المؤرخين- إلى حوالي القرن الثالث عشر، والغزو المغولي. كانت الاضطرابات على طول حدود الإمبراطورية، وهشاشة السلطة، والهزائم...