باسم الله الرحمان الرحيم. سنتوقف اليوم عند شخصية أم موسى عليه السلام، لنستخلص أهم الملامح السيكولوجية والروحية التي كانت تميزها. فخلافا لبلقيس، التي كانت ملكة وحاكمة تملك معظم السلطات، فقد كانت أم موسى محرومة من أي سلطة أو قوة أمام جبروت فرعون الذي كان يستحيي النساء ويقتل الذكور من الأطفال. ولتدبير شؤونها أمام هذا الوضع، ستضع ثقتها في الله تعالى، فهو القاضي والمتعالي على الخلق أجمعين.
قال تعالى : » إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى »، فرغم أنها لم تكن من زمرة الأنبياء والمرسلين، فقد أكرمها الله تعالى بهذا الوحي، بفضل هذه الثقة وهذا اليقين الراسخ في أمر الله تعالى. قال تعالى : » أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ». وهكذا كانت مرغمة لتعيش هذا الفراق عن ابنها حتى ينجو من بطش فرعون، وهنا نرى أن الشعور بالعجز والخوف تجاه مثل هذه الأوضاع تنقلب إلى الشعور بالسكينة والطمأنينة عندما يفوض الأمر إلى الله، قاهر العباد. قال تعالى : » وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ». فقد كانت تبدي خوفا عارما، لكن الله تعالى ربط على قلبها، حتى اطمأنت. وهنا يأتي الوعد الإلهي بنجاة موسى عليه السلام في قوله تعالى : » فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَن ».
نستخلص من هذه القصة أن امرأة لا سلطة لها أمام قوة فرعون وقهره، ستوثق صلتها بالله تعالى لتستمد القوة منه؛ هذه القوة الربانية ستجعلها تقبل بالفراق مع اليقين الراسخ في موعود الله تعالى. وهكذا تحقق الوعد الإلهي برجوع موسى إلى ابنه سالما غانما. ولذا، فالمحن تبدو في ظاهرها شديدة لكنها قد تدفع عنا محنا أشد بلاء، ومهما طال البلاء فلا بد أن تأتي لحظة الفرج.
لا تنسوا أن تقولوا لمن تحبونهم إنكم تحبونهم، فالحياة هشة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يعود انكسارالحضارة الإسلامية - حسب العديد من المؤرخين- إلى حوالي القرن الثالث عشر، والغزو المغولي. كانت الاضطرابات على طول حدود الإمبراطورية، وهشاشة السلطة، والهزائم...