باسم الله الرحمان الرحيم. تطرقنا سابقا إلى موسى عليه السلام، وأشرنا إلى أنه في لحظة من اللحظات، شعر بالثقة الكاملة في نفسه، وأنه يعلم كل شيء لأنه كان رسولا، ولذا سيرسله الله تعالى إلى الخضر ليعلمه أسرار الوحي، وما لم يكن يعلم من قبل. وهنا سنرى جليا كيف كان الخضر يضع الإطار العام والشروط حتى يبلغ موسى المراد من هذه التجربة.
قال تعالى : » قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ». الصبر على التجربة بعدم طرح الأسئلة كان هو الشرط الأساس الذي وضعه الخضر، وقد أخبره بأنه يملك الأجوبة، وأنه لا يملك الحقيقة مطلقا. لكن موسى عليه السلام لم يصبر، وكان رد الخضر ما جاء في قوله تعالى : » قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ». وقد كانت الحكمة وراء عدم الإجابة الفورية هو أنه لا بد من الصبر لاكتساب الحقائق، وأن كل مرحلة لها حقائقها، وقد لا تصلنا الحقائق إلا إذا بلغنا مقاما معينا من النضج المعرفي والقلبي.
قال تعالى : « أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ». ومن خلال الأجوبة التي كان يقدمها الخضر يتبين جليا أنه كان يبلغ ما أوصاه به الله تعالى، لكنه كان مدركا لحدود معرفته، فالتواضع المعرفي من خصائص المعلم الجيد.
لا تنسوا أن تقولوا لمن تحبونهم إنكم تحبونهم، فالحياة هشة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يعود انكسارالحضارة الإسلامية - حسب العديد من المؤرخين- إلى حوالي القرن الثالث عشر، والغزو المغولي. كانت الاضطرابات على طول حدود الإمبراطورية، وهشاشة السلطة، والهزائم...