باسم الله الرحمان الرحيم. سنتوقف اليوم عند نوح عليه السلام، لنستخلص الدروس والعبر، التي تتعلق بالأبعاد السيكولوجية والروحية. لقد أرسل نوح إلى قومه من لدن الله تعالى، لكنه سيلقى الرفض والإبعاد. وهنا نوح كان يستعمل سيكولوجية الإقناع، فقد كان منفتحا على قومه ومستعدا للحوار مع قومه. قال تعالى : » وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ». لا يستمد نوح قوته من العدد، بل من من الأصل وهي تسليم الأمر لله والتوكل عليه؛ الأمر الذي نجده عين جميع الأنبياء والمرسلين : إنها قوة الإيمان التي تنير الطريق. قال تعالى : « فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ». هنا يستمد نوح عليه السلام قوته كذلك من الاستقلالية عن البشر، فهو لا ينتظر مقابلا منهم، بل هو مأمور بأداء مهمة التبليع عن رب العالمين. فهو قوي بتعلقه بالله تعالى، وقوي كذلك لعدم مبالاته بعطاء الآخرين، وتجرده مما سوى الله تعالى. وهكذا عندما يجد قومه يسخرون منه، كان يرد عليهم بالمثل، قال تعالى » وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ۚ قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ». كما لو كان يريد أن يقول لهم : ما تقومون به في هذه اللحظة ليس إلا انعكاسا لسلطة مؤقتة، وسيأتي يوم تنقلب فيه الأدوار. ولذا، سيدرك نوح عليه السلام قيمة العدل الإلهي، بعيدا عن أوهام اللحظة، من خلال ثقته في الأصل واستقلاليته عن الآخرين. المحنة الأخرى التي تعرض إليها نوح عليه السلام كانت مع زوجته وابنه. فرغم تبنيه للحوار كآلية للتبليغ، لم يتمكن من إقناعهما بطريقه، رغم صلة الأبوة. وهنا نستخلص مجموعة من الأمور : الانفتاح من خلال الحوار والإقناع، والاستقلالية عن البشر، واستيعاب المحن رغم أنها قد تأتي من أقرب الأقربين.
لا تنسوا أن تقولوا لمن تحبونهم إنكم تحبونهم، فالحياة هشة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.