باسم الله الرحمان الرحيم. توقفنا سابقا عند شخصية موسى عليه السلام، و سنتوقف اليوم عند شخصية واجهها موسى عليه السلام وهو فرعون. فدراسة هذه الشخصية ليست مهمة فقط لأنه كان يحارب موسى عليه السلام، بل لما تترجمه شخصيته وصفاته وسيكولوجيته القائمة على الاستعلاء والطغيان.
فخلافا لملكة بلقيس التي كانت تستشير المحيطين بها وتأخذ برأيهم لاتخاذ القرارات المناسبة، كان فرعون طاغية متجبرا لا يستشير أحدا، وقد كان يدعي الربوبية كما جاء في قوله تعالى : « أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى ». وهكذا كان يجمع بين الاستعلاء وإرهاب الناس. قال تعالى : » وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاَءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيم ». ونرى هنا كيف كان يبني سلطته دون حسيب أو رقيب، إلى درجة اعتبار نفسه إلها. قال تعالى على لسان فرعون : وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ».
إنها قمة الجهل، رغم كل ما قام به موسى عليه السلام صحبة أخيه هارون من تبليغ الرسالة بالكلام الطيب وبالرفق. قال تعالى : » فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ »، لكن الاستعلاء أعمى قلبه فحجبه عن الحق، واستمر في تعنته ورفضه آيات النبوة. قال تعالى : » وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ۖ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَىٰ مَسْحُورًا ». لكنه لن يؤمن إلا في لحظة الغرق، وبعد فوات الأوان. قال تعالى : » حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ». لقد آمن في آخر المطاف، لكن هذا الإيمان كان مبنيا على الخوف وليس على الاقتناع.
لا تنسوا أن تقولوا لمن تحبونهم إنكم تحبونهم، فالحياة هشة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يعود انكسارالحضارة الإسلامية - حسب العديد من المؤرخين- إلى حوالي القرن الثالث عشر، والغزو المغولي. كانت الاضطرابات على طول حدود الإمبراطورية، وهشاشة السلطة، والهزائم...