باسم الله الرحمان الرحيم. سنتوقف اليوم عند مريم أم عيسى عليه السلام، لنرى أهم الملامح السيكولوجية والنفسية التي كانت تميز شخصيتها.
قال تعالى متحدثا عن امرأة عمران : » إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ». يعني : إني جعلت لك يا رب نَذْرًا أنّ لك هذا الذي في بطني محرّرًا لعبادتك. وأثناء الوضع، جاء قوله تعالى : » فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ». وهكذا نرى أن مريم كان لها مقام خاص، فقد كانت آية في العفة، والأمر كذلك بالنسبة إلى عيسى عليه السلام.
قال تعالى : » وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً ». لقد كانت مريم آية من آيات الله، كما اصطفاها الله تعالى، مصداقا لقوله تعالى : » وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ». إنه اصطفاء رباني مقرون بالطهر والعفة.
وعندما وضعت عيسى عليه السلام بمعجزة إلهية، كان لا بد من مواجهة كلام الناس. قال تعالى : « فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا -فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا – وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا « . نرى هنا كيف واجهت لحظات صعبة من الشك والخوف، لكن الله تعالى لا يتخلى عن عباده المصطفين الأخيار، فجاءها الفرج من الله تعالى. وحتى تواجه قومها، وتفسر لهم حقيقة ما جرى، التزمت الصمت تنفيذا للوصية الإلهية، لأن المعجزة خارقة للعادة وقد لا يستوعبها قومها. قال تعالى : » فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا ». يمكن أن نستخلص من خلال هذه الآيات أن مريم كان لها مقام خاص عند الله تعالى، قبل أن تكون أم عيسى عليه السلام، فقد اصطفاها االله تعالى، لتكون آية من آياته، كما كانت مصرة وعازمة على تنفيذ أمر الله تعالى بالصمت أمام معجزة ميلاد عيسى عليه السلام، رغم صعوبة الوضع.
لا تنسوا أن تقولوا لمن تحبونهم إنكم تحبونهم، فالحياة هشة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يعود انكسارالحضارة الإسلامية - حسب العديد من المؤرخين- إلى حوالي القرن الثالث عشر، والغزو المغولي. كانت الاضطرابات على طول حدود الإمبراطورية، وهشاشة السلطة، والهزائم...