باسم الله الرحمان الرحيم. سنتوقف في ختام هذه الرحلة الطويلة عند أبي بكر الصديق رضي الله عنه، لنستخلص العبر من سلوكه وحياته وأخلاقه.
لقد كان متفانيا في خدمة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد ذكر موقف رجولي من مواقفه في كتاب الله، في قوله تعالى : » إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا »، وهنا نرى حرص النبي عليه الصلاة والسلام على صاحبه أبي بكر، بعدما أبدى شيئا من الخوف والحزن.
لقد كان من صفاته الصدق والإيمان الراسخ برسالة النبي عليه الصلاة والسلام، حتى أنه عندما أسري بالنبي ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، صدقه دون أدنى شك. قال تعالى : « سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ».
وقبيل وفاته صلى الله عليه وسلم بأيام وفي أثناء مرضه، أمر أبا بكر الصديق رضي الله عنه أن يُصلي بالناس، فصلى بهم ثلاثة أيام. فعن عائشة رضي الله عنها : « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرَضه: مُروا أبا بكرٍ يُصَلِّي بالناس، قالتْ عائشة: قلتُ: إن أبا بكرٍ إذا قام في مَقامِك لم يُسمِع الناس من البُكاء ». وهكذا كان مرهف الحس، رقيق القلب.
لقد كان له كذلك فهم رباني خاص للوحي المنزل على رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ فعندما نزلت سورة النصر : » إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ »، بكى أبو بكر الصديق، لأنه أدرك أن الآية تنعى رسول الله صلى الله وعليه السلام.
وعند وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، كان أبو بكر أكثر الناس ثباتا، وقال قولته الشهيرة : » أَلا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ، وَقَالَ: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) ، وَقَالَ: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) .
لا تنسوا أن تقولوا لمن تحبونهم إنكم تحبونهم، فالحياة هشة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يعود انكسارالحضارة الإسلامية - حسب العديد من المؤرخين- إلى حوالي القرن الثالث عشر، والغزو المغولي. كانت الاضطرابات على طول حدود الإمبراطورية، وهشاشة السلطة، والهزائم...