في الطريق التي كانت تقودني من السجن إلى البيت، كنت مسكونا بالشعور بالرضا، بالطبع. وفي الوقت نفسه، كانت الأصوات تزعجني، والأمر نفسه بالنسبة إلى الضجيج، والأضواء، وأضواء السيارات، والحركة. كان الألم حاضرا. كنت أراقب ساقاي، خشية أن أجد نفسي، في أي لحظة، مُلقى على الأرض بسبب التشنج. كانت زوجتي وأبنائي يُعلّقون، ويتحدثون ويضحكون أحيانا، مع تقديرهم صعوبتي في أن أشاطرهم حماسَهم. وبينما كنت حائرا تماما، أحسست بكامل الوزن الذي كانت تحمله إعاقتي الجسدية. وكنت أتنفس بعمق، وفي صمت، واعيا أن المحنة لم تنتهِ، ومن واجبي التَّحَلِّي بالكثير من الصبر.
طيلة فترة اعتقالي، كنت أتأمّل كثيرا في مفهوم الشفاء. يشير هذا الأخير، في معناه الضيق جدا، إلى المسلسل الذي ينطلق من المرض نحو الأمل في معانقة الصحة. على الصعيدين الروحي والنفسي، نجد رغم ذلك، أن الشفاء ليس هو عكس المرض؛ فهو لا يحدث عند اختفاء المرض. استيعاب جوهر الشفاء يتيح لنا الوصول إلى تعريف أكثر شمولية للصحة. إنه قيمة مثالية ورحلة بحث تكشف تصورنا للإنسان.
منذ الولادة، في زمن البراءة الأصلية، تحرّكنا الغرائز، وتعترضنا العواطف، في حين أننا نتعلم كل يوم أكثر فأكثر، وأن وعينا بالعالم وبأنفسنا يتشكلُّ ويتكونُّ تدريجيا. إن تشكل الكيان وهذا النضج يتطلبان توازنا بين مختلف التطورات التي تعرفها الجوانب المتعددة لشخصياتنا في المستقبل. لا تُعَرَّفُ الصحة بداية – في هذه الحركية العامة والمتنوعة والمركبة- بِغِياب المرض، بل- بشكل أعمق- بتحقيق الانسجام بين العناصر التي تشكل كياننا وهي : غرائزنا، وعواطفنا، وضمائرنا، وذكاءنا. الصحة هي انسجام بين كل مكونات كياننا، ولهذا، يتحقق الشفاء ويعاش من خلال البحث المضني عن المواءمة بين حاجاتنا، ورغباتنا، وآمالنا، وقِيَمِنَا، وتطلعاتنا.
طارق رمضان، واجب الحقيقة- 2020.