يعود انكسارالحضارة الإسلامية – حسب العديد من المؤرخين- إلى حوالي القرن الثالث عشر، والغزو المغولي. كانت الاضطرابات على طول حدود الإمبراطورية، وهشاشة السلطة، والهزائم العسكرية بعد ذلك، عوامل حاسمة في هذا الانكسار. مع ذلك، فالعوامل الداخلية هي المسؤولة أكثر عن تفكك الحضارة الإسلامية ثم انهيارها في النهاية.
فبعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام، طفت سريعا على السطح بعض التوترات السياسية التي أدت إلى وفاة ثلاثة من بين أربعة خلفاء راشدين. هذه التوترات والصراعات على السلطة اجتازت تاريخ الحضارة الإسلامية، وقد ازدادت حدتها مع نشأة الحكم الوراثي. إن سرعة التوسع والانتشار، والمناطق ذات المساحات الهائلة التي كان يجب إدراتها، وتنوع الثقافات
السياسية والاجتماعية كانت عوامل ميزت مختلف الإمبراطوريات الإسلامية منذ النشأة. ووفقا لاستراتيجية الخليفة أو السلطان أو القائد، والتزامه وقوة شخصيته، شهدنا فترات مزهرة، إذ مكنت القوة العسكرية والاستقرار السياسي والثروة الثقافية الحضارة الإسلامية من الانفتاح. لكن عبر التاريخ، وأمام ظهور قوى أخرى وقوى أجنبية غازية، عرفت هذه الطاقة والحيوية خفوتا ملحوظا.
لقد قام ابن خلدون- المؤرخ والفيلسوف ومن أوائل علماء الاجتماع- بدراسة أبرز المراحل التي تمر منها كل حضارة منذ نشأتها إلى أوجها حتى انهيارها، مسلطا الضوء على العوامل الداخلية والخارجية التي أدت إلى هذا التطور الطبيعي. لقد اجتازت الحضارة الإسلامية مختلف هذه المراحل على غرار باقي الحضارات. فمن بين العوامل الداخلية، بعد هذا الإشعاع والثقة التي اكتسبت جراء الفتوحات،نجد أن الحضارة الإسلامية شهدت فترات طويلة من عدم الاستقرار، والشك، والحذر من الحضارات الأخرى، والإمبراطوريات المنافسة.
هناك ثلاث ظواهرصاحبت هذه الفترات الصعبة. فعلى مستوى المعرفة، كان العلماء يهتمون أساسا بالفقه، كوسيلة للاحتماء من التدخل الخارجي أو من الأعداء المحتملين. تحديد الحلال وتمييزه عن الحرام كان يعطي الشعور أننا مسلحون بشكل جيد لمقاومة الثقافات والإسهامات الأجنبية. هذه الحضارة الإسلامية التي كانت في السابق منتفحة على الفكر والعلوم
والفنون صارت تجد نفسها فجأة في وضعية الإحتماء، في وقت الأزمة، وقد كان هذا الرد الطبيعي في حد ذاته إشكاليا. هذا الاحتماء وجد له سبيلا عبر التشريع وتحديد الضوابط. وهذه السيادة المعرفية التي صار يتمتع بها الفقه كانت لها أثر ملحوظ على الفكر الإسلامي على المدى البعيد.
طارق رمضان – عبقرية الإسلام : مدخل إلى الأسس والروحانية
والتاريخ.
