كلود هنري ديبور : نحن هنا في حدائق المأمونية بمدينة مراكش، حيث اتفق إدغار موران وطارق رمضان على التحاور دون أفكار مسبقة، ودون استعمال لغة الخشب. لقد آثرنا ألا نقوم بتقطيع الخطاب، وتركنا الأفكار تأخذ مجراها الطبيعي حتى يكون الحوار عفويا وليس مصطنعا . إن المواضيع التي تم طرحها بشكل اختياري يمكن أن تكون كذلك وفق نظرية الفكر المركب(La pensée complexe) التي أسسها إدغار موران؛ والتي تقتضي مواجهة الأفكار، بحيث عوض أن تتعارض هذه الأفكار، تدخل في ديناميكية مع بعضها البعض.
إدغار موران، لقد صادقتم على المشروع الأولي الذي تقدم به طارق رمضان، والذي يقترح من خلاله الحوار حول مجموعة من المفاهيم، تتعلق أولاها بمفهوم الإنسان، ورغبتم في إتمام هذه القائمة بمحاور إضافية من قبيل الله والدين، والديموقراطية، والعلمانية، و الرجل والمرأة. هذه الاقتراحات تبقى غير حصرية وغير نهائية.
قبل أن ندخل في صميم النقاش، أود أن أذكر أنكما تحظيان بسمعة كبيرة في شتى المجالات. هناك توافق جماعي على اسمكم، إدغار موران. يمكننا القول أنكم تحظون بالإجماع.
إدغار موران: ألا تبالغون ؟
كلود هنري ديبور : أريد أن أقول أنكم مثقف مسموع الكلمة، بغض النظر عن الانقسامات السياسية، وإذا استثنينا اليمين المتطرف، رغم أن فكركم ليس مستوعبا دائما لدى العديد من الناس. فاسمكم يحظى على العموم بالاحترام، كما أن أعمالكم أصبحت مرجعية ذات أهمية معتبرة. ولا أظن أن هذا الأمر ينطبق على طارق رمضان، الذي لا يحظى بنفس التقدير خاصة في فرنسا. لقد تم تشويه سمعته في شتى المجالات، كما تم إقصاؤه من النقاش العمومي. يكفي أن نذكر مثلا رفض وزير الداخلية مانيوال فالس لقاءه والتحاور معه . في نظركم ماهي أسباب السمعة الطيبة التي يحظى بها أحدكما والتمييز المفروض على الآخر، وأسباب مقاطعته من طرف بعض الصحفيين؟
إدغار موران : إن مواقف طارق رمضان الواضحة والجلية للغاية حول الإسلام أدت إلى ردود أفعال قوية في فرنسا، حيث يزداد التنافر وسوء الفهم، إلى درجة اختزال الإسلام في الأقليات الأكثر عنفا وأصولية. أعتقد أنه يعاني إلى حد ما من هذه الأجواء السائدة. فبدل النقاش معه، تم في غالب الأحيان استبعاده وإقصاؤه من الحوار، مع استثناءات قليلة، بطبيعة الحال.
كلود هنري ديبور : طارق رمضان، ماذا تقولون في هذا الصدد؟
طارق رمضان: ما يبدو لي مثيرا للاهتمام في فكر إدغار موران وفي تعبيره، بحكم أنه مرتبط بقضية الفكر المركب، هو أنه يحظى بشيء من التوافق حول هذا الفكر، على حد معرفتي، رغم أن هناك بعض المواقف السياسية أو الفلسفية تبقى موضع النقد. هذا التوافق يعزى في نظري إلى البعد الكوني الذي نلمسه كلما تطرقنا إلى نظريتكم المتعلقة بالفكر المركب. بعبارة أخرى، فخطابكم هو تعبير عن الكونية التي تقبل بالتنوع، كما أن مواقفكم تحظى دائما بالتقدير.
بالنسبة لي، تبدو الأمور مختلفة، خاصة في فرنسا بحكم أصولي الإسلامية ونظرا لأسباب أخرى. ففي آسيا، وأمريكا الشمالية، وإفريقيا، والشرق الأوسط، وحتى في إنجلترا التي أعيش فيها حاليا، أجد خطابي مسموعا ويحظى بالتقدير عند الأغلبية الساحقة من جمهور المحاورين. على العكس في فرنسا، تشوه سمعتي، ليس بالضرورة بسبب شخصيتي، بل بما أمثله على ثلاثة مستويات. المستوى الأول يكتسي طابعا تاريخيا. ففرنسا لها صراع تاريخي مع الدين يتجاوز الإسلام بكثير. المستوى الثاني يتعلق بالاستعمار. فأنا أمثل إلى حد ما صوت المستعمَر الذي جاء ليعبر عن صوته كمواطن كامل المواطنة و على قدم المساواة مع الجميع، وينظرون إليه كشخص يتطلع إلى موقع يكتسي تأثيرا عالميا. إنها مسألة وعي حقيقية. المستوى الثالث والمكمل لما سبق ذكره، يتجلى في أملي أن يكون لي موقع في الساحة التي تتواجدون بها، وأن أكون قادرا على التعبير انطلاقا من مرجعيتي الإسلامية. لا أقصد التعبير عن الغيرية (altérité)، بل أقصد التعبير عن الكونية المشتركة الممكنة، التي يمكن من خلالها أن نتقاسم العديد من القيم المشتركة. لكن الأمور لا تسير بهذا المنوال في فرنسا. أنا أحاول دفع بعض الأنماط التاريخية والعلاقات مع الآخر، وهكذا ينظر إلي كمهمش يريد أن يظهر في المشهد، ويكون في قلب النقاش. إذن هذه هي الأسباب التي تعزى إلى اختلاف مساراتنا تماما.
طارق رمضان مفكر ذو صيت كبير يسمعه أهل العربية الناطقين بها و هم أكثر من 300 مليون في أهم بقاع العالم استراتيجية و تفاعلا مع الحضارة و التاريخ,
و يسمعه الناطقون بالإنجليزية و هم يقاربون المليار و النصف و فيهم مآت الملايين من المسلمين، و يسمعه الناطقون بالفرنسية في فرنسا و سيسرا و جزء من كندا و عدد من الدول الإفريقية..
فهو ذو فكر منفتح ذي آفاق شاسعة شساعة الحضارة الإنسانية القويمة فلا يضيره أن يصب بعض المسؤولين الفرنسيين التقليديين الذين لا يزالون يحنون إلى عهود الاستعمار و ثقافته المتعالية و المتعجرفة، أقول لا يضيره أن يصب هؤلاء الوقر في آذانهم حتى لا ينهزموا نفسيا بما ينطق به من درر فكرية و حقائق مزلزلة..منغصة لغرورهم ..