الحديث عن قضايا المرأة في الإسلام‫‬

يخاطب الخالق جل وعلا المرأة في الوحي الشريف تماما كما يخاطب الرجل.. فمكانتها الإنسانيّة والإيمانية هي نفس مكانة الرجل، وواجباتهما الدينيّة والشعائرية متماثلة تمامًا.

عندما يتعلق الأمر بالدين، نجد أن التوترات والتناقضات والمخاوف في قضايا المرأة هي الأكثر بروزًا وتعقيدًا من غيرها. هذا لأنّها قضايا ذات أبعاد تتضمن العلاقات الإنسانيّة، والتمثيلات الاجتماعية ممتدة الجذور، ومنطق العلاقات المتجذّر-فيما وراء النصوص الدينية- في التراث الثقافي والاجتماعي الذي لايزال متأصّل بعمق وحساسية شديدتين. الحديث عن المرأة في أي سياق بشري مجتمعي يعني التدخل في قواعد البُنى الاجتماعية والرموز الثقافية، والأدوار الوظيفية لكلٍ من الجنسين، وفي مكانة الأسرة ووحدتها، وأخيرا السلطة والنفوذ العلاقات.

وهذا يعني أيضا الحديث عن بَني البشر، وعن حريتهم واستقلالهم الذاتي ، وعن تطلعاتهم الفردية والروحية والاجتماعية. الخطاب بشأن النساء يكشف عن العقليات الجمعيّة و الثقة بالنفس والخوف، والقوى الحافظة لما يقال وما لا يقال، ومقومات البُنى الاجتماعية عميقة التجذّر ودورها. الحديث عن المرأة إذن، ليس بالأمر البسيط: فهو معنيٌّ  بقضايا مترابطة معقدة، والتركيز على بعد واحد منها دون الآخر يمكن أن يؤدي في بعض الأحيان إلى الإفراط والتشويه في كل من الانتقادات والمطالبات. لذلك فإنّ إقامة نقاشات طويلة هنا أمر ضروري.

في السنوات القليلة الماضية، ركّز النقاش الدائر في الغرب، وتبعه النقاش في البلدان ذات الأغلبية المسلمة، على الجوانب الأكثر بروزا بشأن « مكانة المرأة في الإسلام. »وهي بالفعل جوانب هامة وضرورية، ولكن اختزال قضايا المرأة في نقاش تبسيطي عاطفي حول قائمة من « الممارسات المشكِلة »قد أدى إلى التهرب من صلب الموضوع. وقد انتشرت قضية « النساء المسلمات »على الألسنة اليوم كما لو أنها ترمّز للعلاقة غير التوافقية بين الإسلام والغرب، والمعارضة بين عالم من الخضوع، وآخر يحمل وعد الحرية، مع، بطبيعة الحال، النغمة السائدة بشأن التباين بين التقاليد الأبوية والحداثة الغربية التي يقال إنّها وجهة نظر نسويّة على نحو متزايد. ومن ثمّ، فلائحة التمييز المتعلّقة باللباس، وتعدد الزوجات ، والعنف، والميراث، وغيرها من القضايا تتكرر مرارا وتكرارا، وبصرف النظر عن أنّ جوهر هذه الإدعاءات مفتوح للنقاش (بينما بالطبع، يجب عدم التقليل من طبيعة التمييز النساء المسلمات قد يواجه اليوم) فإنه يبدو من الضروري توسيع نطاق النقاش والرجوع إلى مصادر وأصول التمثيلات الاجتماعية ومناهج التناول لمثل هذه القضايا..

وقد بدأ العديد من النساء والرجال المسلمين بالفعل هذا العمل الضروري بشأن مضامين المصادر الشرعيّة:كيف ينبغي قراءة وتفسير الآيات، ومدى ارتباطها بالثقافات المحيطة والبنى الاجتماعية. يجب الاضطلاع بتلك الدراسات والاهتمام بها، ولكن يجب تفادي مزلقان رئيسان هنا: فمن جهة، لا بد من الحذر من التركيز أكثر من اللازم على بعض المواضيع الحساسة المتمثلة بتفسير النص واهمال منهج أشمل من شأنه ربط النصوص، والبيئة الاجتماعية، والمنطق، فينتهي الأمر إلى مجرد إضفاء الشرعية على قراءة معينة، وأحيانا يسفر عن إنتاج بديهيات دينية زائفة. ومن جهة أخرى، لا بد من تجنب التفكير في عملية القراءة تلك  فقط من حيث وجهة النظر الغربية، بغض النظر هل كانت وجهة النظر تلك مقبولة أم مرفوضة.

على أنّه يلزم التأكيد على ضرورة أن يرتكز النقاش الداخلي في منطلقه ومساره على المصادر الشرعيّة، فلا يمكن أن يتم تحديد أبجديات وفئات النقاش على أساس ما قد حددته النسويات في المجتمعات الغربية. وبالرغم من ذلك، فمن الخطأ وغير التناسق رفض الأفكار التي أنتجتها النقاشات والجدال الطويل المكثّف في المجتمعات الحديثة حول قضايا النسوية من استقلالية المرأة لحياتها الجنسية وأدوارها في الأسرة والمجتمع والاقتصاد والسياسة وكذلك الموقف من السلطة ومحاولات الاغتراب، إلخ. بدءًا من الوحي الإلهيّ، هناك أسئلة محددة وهامة يجب معالجتها على قدرها، وبالإضافة، على المرء دراسة جميع التفاعلات الممكنة بين المفسرين الأوائل والبيئة الثقافية، والبنى الاجتماعية.

تحتوي المعادلة النسويّة على العديد من العوامل وتتطلب اتخاذ منطلقات ووجهات نظر محددة من البداية وحتى قبل مناقشة طبيعة البحث والحلول المقترحة.. بالنسبة لقضية المرأة، أعتقد أنه لا يمكن الاعتماد على بعض الآراء الفقهيّة الجرئية، بل لا بد من فتح الطريق لآفاق ووجهات جديدة. لتعزيز قضية المرأة بأي شكل من الأشكال. في هذا الميدان، السعي إلى تحقيق العدالة، وإنهاء التمييز، وتعزيز الإصلاح يحثنا- على سبيل الأولوية- على إعادة تقييم الإطار والمنهجية التي تم تحددت من أجل فهم المصادر الشرعية والوفاء لها عبر التاريخ وفي مختلف البيئات الاجتماعية والثقافية. وفي وقت لاحق من هذه العملية، سيتضمن النقاش إدماج هذه الأخيرة في التفكير وفهم العلاقات بين الذكور والإناث وتوزيع الأدوار والسلطة.

وهذا يعني أيضا حمل مثل هذا التأمل إلى مداه المنطقي من خلال دراسة متعمقة لحالات الاغتراب التي تكون فيها المرأة، بدلا من اعتبارها فاعلة في المجتمع، تصبح مفعولة (أو شيء) للرجل أو في تمثيلات المجتمع. وهذا يشمل دراسة المنطق المنحرف الذي أتى بنتائج عكسية لبعض المطالب في قضية المرأة، ونقلتها من شكل من أشكال الإغتراب إلى شكل آخر منه. العديد من النساء، من بينها النسويات، تعاملت مع تلك التطورات، وأحيانا تلك المفارقات، ووينبغي قراءة تأملاتهم ودراستها. فبعضها تسلط الضوء على تقريب وجهات النظر حول القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية والتأكيد على الاختلافات الاساسية المتعلقة بالذات، والحاضر والآخر، وبالتالي بالحرية.

استخدمت الآيات القرآنية صيغة الجمع المذكر للإشارة إلى النساء والرجال في المجتمع المسلم على حدٍ سواء، فالـ »المؤمنون » و »الصادقون » و »المسلمون » يُقصَد بها النساء والرجال الذين يشكّلون صحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)، وقد يقصد بها الرجال فقط في بعض الأحيان. وقد سألت امرأة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ذات مرة: لماذا لم تُذكَر النساء صراحة في الوحي بقولها: “لم أرَ النساء يُذكَرن في شيء”. والكتاب الكريم الذي يحمل رسالة عالمية قد تضمّن كذلك إجابات على أسئلة سألها الصحابة رضي الله عنهم، ومن ثمّ، قد ورد بعد هذه الحادثة ذكر النساء والرجال بصورة منفصلة في الكتاب الكريم، كما في سورة الأحزاب « إنّ المسلمين والمسلمات ».

إنّ التدرّج في تشريع الرسالة هو جزء من التربية الإلهيّة في وحيٍ أُنزِلَ على مدار ٢٣ عاما: والمخلصون له هم هؤلاء الذين يتدرجون في فهم الأشياء والقادرون على إعادة النظر في ممارساتهم الثقافية والاجتماعية بنقديّة. فوضع المراة، التي كانت توءَد عند الولادة لمجرد احتمال أنّها قد تجلب العار، كان ليتم إصلاحه على مراحل، كما رسمت آيات الوحي. وبالتالي، تظهر لنا بصورة أكثر وضوحًا أنّ رسالة القرآن الكريم وفعل النبي -صلى الله عليه وآله وسلّم- كانت تسعى لتحرير المرأة من الأغلال الثقافية في القبائل والعشائر العربية وممارسات العصر. فالخالق، كما ذكرنا يخاطب النساء كشقائق الرجال في المكانة كبشر وكمؤمنات مخاطبات بما يخاطب به الرجال من عبادة وإلتزامات إيمانية.

فهم شركاء وشريكات في رحلة الإيمان والسمو الروحي التي تتطلب الدعم والإعانة، قال تعالى: « هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنّ » (سورة البقرة: ١٨٧)، فالمودة والرحمة هما مصادر القلب لجعل الحياة ممكنة: فالمودة تآلف بين المحاسن والرحمة تتغاضى عن العيوب والضعف. وقد لعبت الهجرة من مكة للمدينة دورا هاما في هذا التدرج في العقليات بين المسلمين: فالنساء في المدينة المنورة كنّ أكثر بروزًا وانخراطًا وجرأة من مثيلاتهنّ في مكة لدرجة أنهنّ  قد فاجئن زوج النبي-صلى الله عليه وآله وسلّم، عائشة المكيّة والتي قالت فيهنّ: رحم الله نساء الأنصار، لم يمنعهنّ الحياء أن يسألن عن أمر دينهنّ. وهكذا، ساعدت فترة المدينة المنورة في فرز والتمييز بين القواعد الدينية والعادات العربية أو المكيّة، وساعدت أيضا في إحداث تغييرات على مكانة المرأة. بدأت حركة الإصلاح إذن مع الوحي، ثم الخبرات والتجارب الاجتماعية، وبالطبع فعل النبي -صلى الله عليه وآله وسلّم- الذي كان الأسوة الحسنة للصحابة رضوان الله عليهم..

لذلك فإنّه من اللازم أن تُقرأ وتُفسّر الآيات المختلفة في ضوء هذه الحركة الإصلاحية، والقراءات والتفاسير الأولى للنصوص الموحاة لا بدّ وأن تًرى في مرآة سلوك النبي صلى الله عليه وآله وسلّم. وفقا لذلك، ظهرت تأويلات فيما يتعلق بالمرأة، ووضعها، وحقوقها في مرحلة مبكرة جدا. وقد فُهِمَت ونوقشت هذه الحركة الإصلاحية الداخلية، على مدار القرون الأولى، التي تم خلالها تأسيس علوم النص، ولكن تبقى الحقيقة أن القراء في هذه العصور الأولى كانوا معظمهم من الرجال الذين يقرأون الوحي من خلال منظور مزدوج من جنسهم والثقافة التي يعيشون فيها.

لم يكن بوسع الصحابة والعلماء الأوائل إلا قراءة النص في ضوء الحالة التي هم عليها ووجهات نظرهم وسياقاتهم. فبينما تحدّث الكتاب الكريم عن المرأة ووجودها، ووجدانها، تعيّن على الفقهاء أن يحدّدزا لها الواجبات والحقوق بناء على مختلف الوظائف الاجتماعية الممنوحة لهم. فكانت المرأة هي « البنت »، و »الأخت » و »الزوجة » و »الأم »، والخطاب الديني والفقهي عن المرأة قد بُني على هذه الأسس وتلك الوظائف. الأمر صعب على الرجل، وبالأكثر على الفقيه، أن يتناول قضية المرأة على أنّها إنسان في كرامتها واستقلالها -أيا كانت عملية الإصلاح الداخلية التي بدأت بمختلف الآيات والخبرات التاريخية، هذا النهج يوجّه ويقيد حتمًا قراءة وتفسير النصوص. وكان همهم هو إيجاد وظيفة للنساء، ووضع قوائم من الحقوق والواجبات. إن قراءة أقرب للنصوص، بالرغم من ذلك، تبين أن المقصد من عملية التدرج الداخلي المذكورة آنفا، من إعادة النظر في مكانة المرأة خطوة بخطوة هو في الواقع لتوجيه الضمير المؤمن للنظر إلى المرأة من خلال وجودها، أي فيما وراء الوظائف الاجتماعية المختلفة الخاصة بها. هذه الحركة الاستقرائية نحو أولوية الوجود الإنساني ينطوي بطبيعة الحال له تأثير على مسألة المكانة الاجتماعية، وهذا، ولا شك يعني السماح بنطاق كامل لعمليات التفسير وتحمّل جميع عواقبه.

4 تعليقات

  1. Je vous remercie pour cette article parce qu’il vient juste au moment où je suis en quête de la vraie version du voile dans l’islam. J’ai 25 ans, je commence à poser la question « pourquoi le voile est obligatoire? », et j’ai trouvé beaucoup d’avis. Je vous remercie parce que votre article m’encourage à pousser mes recherches. Et je vous demande à l’occasion de nous dire qu’est-ce que vous en pensez vous?

  2. ما يلزمنا هو رؤية إسلامية أصيلة، تتجاوز الرؤية التقليدية الذكورية للمرأة والرؤية الغربية الدوابية للمرأة، رؤية تقوم على توزيع الأعمال والتخصص لتحقيق التكامل بين المرأة والرجل. فالرؤية التجديدية المستمدة من نموذج أمهات المؤمنين والصحابيات الكريمات وهو النموذج القائم على الحب والصحبة في الله وطلب الكمال الروحي والعلمي والخلقي والجهادي، فبالاضافة الى دور المرأة المحوري في البيت المسلم المنسجم النموذج، نجد كذلك دورها في صناعة المستقبل ودورها في الدعوة إلى الله ودورها في جهاد بناء الأمة .

  3. قضايا المرأة والنظر في تفسير النصوص القرآنية والرؤية الإسلامية الجديدة للأحكام من منظورات جديدة موضوعية تتجاوز الرؤية التقليدية للمرأة سواء في البلاد المسلمة أو في البلاد الغربية ضرورية لتحقيق التكامل بينها وبين الرجل وتحقيق دورها الروحي إضافة إلى دورها الرئيسي في العائلة المسلمة.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا