الرهانات الحاسمة في سوريا

*الرهانات الحاسمة في سوريا

ترجمة الأستاذ: شياظمي صلاح
إن إحصائيات القتلى في سوريا تنذر بالخطر، فقد بلغ عدد القتلى 000 60 قتيلا ، ليبلغ معدل القتلى منذ غشت المنصرم ( سنة 2012 ) 5000 قتيلا شهريا بما يقرب من 170 قتيلا يوميا. في حين أن المجتمع الدولي يقف حائرا، يجس نبض رؤساء الدول و الوزراء ، و ينتظر ما ستؤول إليه نتائج الإقتراحات و الخرجات العديدة للمبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي.و الحرب الأهلية ما زالت مستمرة مع الكثير من الفظائع و التلاعب.

في هذا الوضع المربك، لا بد أن نذكر ببعض المواقف المبدئية قبل محاولة تفسير الأحداث الجارية بدون سذاجة في التحليل و بدون آمال كاذبة. فنظام بشار الأسد نظام دكتاتوري فاسد و غاصب ،حيث لم يتردد منذ أن كان أباه في الحكم، في قتل و تعذيب معارضي النظام بمئات الألاف. لقد كانت سياسة النظام الداخلية مبنية على الترهيب.

على الصعيد الإقليمي، لعبت سوريا دورا مربكا في لبنان باللعب على ورقة التحالفات و الإنقسامات الداخلية.و لمواجهة إسرائيل ،لعبت دور الفزاعة و العدو الحقيقي لقادة تل أبيب ، لكن بعيدا عن الخطابات النارية و المحرضة أحيانا ، فقد ظلت الحكومة السورية سلبية جدا حتى عندما شنت إسرائيل هجمات على اراضيها في شتنبر 2007 ضد مفاعلاتها النووية المزعومة.

لقد مثلت سوريا ،جنبا إلى جنبا مع إيران، العدو الحقيقي للمصالح الغربية، بإعتبارها دولة غير مستقرة و غير جديرة بالثقة حيث كان الغرب يتقي شرها. و لكن بمجرد نزول الشعب إلى الشارع للإحتجاج، حيث تم قتل المدنيين بالمئات من طرف قوات النظام، كان يجب الإنتظار أكثر من ثمانية أشهر لتغير الإدارة الأمريكية و أوربا من خطابهما وسياستهما تجاه الحكومة السورية. إلا أن شجاعة و إصرار الشعب السوري لم تتوافقان مع الخطط و المصالح الغربية في المنطقة، لذلك دعت الإدارة الأمريكية و أوربا بشار الاسد إلى إصلاح النظام في سوريا و العمل على دمقرطته بعد مرور ثمانية أشهر من بداية الثورة.

ونظرا لتطور الأوضاع على الصعيدين الداخلي و الإقليمي، و مع وجود الإضطرابات في مصر و تونس و ليبيا واليمن و التوترات في الأردن و البحرين و مع إيران دائما، كان من اللازم كسب الوقت و إيجاد وسطاء يكونوا أهلا للثقة من داخل المعارضة السورية غير المتجانسة. ناهيك عن الهجوم الإستراتيجي الكاسح للصين و روسيا الحاضرتين بقوة في المنطقة على المستويين الجيوستراتيجي والإقتصادي ،و اللتان عبرتا عن رفضهما لسيناريو التدخل العسكري في ليبيا ، وسط ضجة كبيرة أحدثتها قرارات الأمم المتحدة و التي كانت ذريعة للقضاء على نظام القذافي و وضع موارد البلاد تحت تصرف الغرب.لن يتكرر حتما السيناريو الليبي للمرة الثانية، وفي الواقع، يبدو واضحا أنه لا أحد يحتمل وقوعه أو يرغب فيه.

لقد تغير الموقف الأمريكي و الأوروبي خلال أشهر و زادت حدة الضغط على الحكومة السورية. في نفس الوقت، إزداد الدعم الرسمي للمعارضة السورية، ثم بعد ذلك للجيش الحر الذي تشكل تدريجيا. فأصبحت المملكة العربية السعودية وقطر أكثر الجهات العاملة في مجال التمويل المباشر وتسليح الجيش والمعارضة السياسية. من جهتهما واصلت الصين و روسيا دعمهما لنظام بشار الأسد بإصرار و اللتان وافقتا على النظر في مستبقل سوريا من دونه و لكن دون إصرار حقيقي. و بالمقابل تخلت تركيا عن سياسة « لا للنزاع على الحدود  » بدعمها الواضح للمعارضة السورية. فكانت بعض البيادق على استعداد صعب و مؤلم للوصول إلى طريق مسدود حيث لا حل سياسي أو دبلوماسي يتراءى في الأفق ، و الحرب الأهلية مازالت مستمرة وعدد القتلى في إزدياد. و رغم كل هذا فالأمر يتعلق في لغة الإدارة الأمريكية بصراع ذي حدة منخفضة، لم يخرج بعد على السيطرة ، و الصراع في حد ذاته يبقى نفعه أكثر من ضرره بكل إستخفاف.

يمكن أن يجني هذا الصراع أرباحا مهمة على المدى القريب و المدى المتوسط.فقد تمت زعزعة إستقرار الشرق الأوسط بشكل عميق و أصبح من الآن منقسما على عدة جبهات؛ فعلى الصعيد السياسي مازال التوتر مستمرا بين العلمانيين و الإسلاميين و نفس الشيء بالنسبة للخلافات بين التيارات السنية (السلفيون الحرفيون، الإصلاحيون ،أنصار السلفية الجهادية.. إلخ). و بالتالي أصبحت الفجوة بين الشيعة و السنة عاملا أساسيا في معادلة الشرق الأوسط. بالإضافة إلى أثر التحالفات السياسية القديمة و الجديدة ؛و يتعلق الأمر بدول الخليج غير الديقراطية و المتحالفة مع الغرب، و السلطة الجديدة في مصر وليبيا و تونس بالإضافة إلى حالة عدم الإستقرار في العراق و تجاهل إيران.

إن الشرق الأوسط يمر بأزمة عميقة و بالتالي يحاول الغرب مثل الصين وروسيا ( و كذلك تركيا و الهند) إعادة تموقعه وحماية مصالحه الاقتصادية وتحالفاته الجيوستراتيجية. و يعتبر إنتقال مركز ثقل التوتر مهما للغاية بالنسبة لإستراتيجية إسرائيل؛ فبالرغم من الأزمة الداخلية التي تمر بها إسرائيل فإن إضعاف و تقسيم الدول العربية يسمح ،من جهة، للحليف الأميركي من الحفاظ و تعزيز شروط التعاون و من جهة ثانية ، يمكن إسرائيل من مواصلة استعمارها المتدرج للأراضي الفلسطينية.

يمكن أن نعارض النظام بل من الواجب ذالك ؛ لكن لا يجب أن نسقط في فخ الدعم الأعمى للمقاومة و إختزال القضية في صراع طبيعي.فالمعارضة السورية تبقى موضع التساؤلات بالنظر إلى بنيتها و إلى خطورة المواقف المعلنة و غير المعلنة لبعض انصارها و الداعمين لها. و بالتالي يتطلب هذا الوضع المربك الجمع بين موقف مبدئي يتجلى في معارضة الدكتاتورية و بين قراءة متأنية و يقظة سياسية ترفض السذاجة في التحليل و التي تتجلى في الدعم الأعمى للمقاومة.

لقد إتفق الغرب و الصين و روسيا على ألا يتفقوا على المدى القصير.في المقابل يدفع السوريون حياتهم ثمن ذلك الإستخفاف الرهيب.و ما يثير القلق هو غياب أي بديل مجدي أو حل عملي سوى الحل الذي يقود إلى لغة السلاح. و بالتالي يبدو الطريق طويلا جدا و سيحصد معه الآف الضحايا. و لو تحرر الشعب من الدكتاتور، فليست هناك ضمانة أن الشعب سيتحرر من القبضة الغربية.فالعكس هو الذي يبدو أكثر إحتمالا.

__________________________
* المقالة مترجمة من اللغة الإنجليزية، وقد نشرت المقالة الأصلية بتاريخ ٨ يناير ٢٠١٣
رابط المقالة الأصلية:
http://tariqramadan.com/english/2013/01/08/high-stakes-in-syria/

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا